عادت إلى بيت زوجها كسيرة راضخة لمصيرها وقانعة بالأمر الواقع الذي فرضته عليها الظروف .. تحتضن طفليها وتضمهما بكل شوق ولهفة بعد أشهر من الحرمان .. عادت إليهم مجبرة على استمرار الزواج بينها وبين أبيهم ..
عادت لهم ومن أجلهم فقط ..
في تلك الليلة لم تستطع النوم .. فقد اعتادت السهر يرافقها السهد و الضجر ..
تمشت قليلا في أرجاء البيت .. بيتها الذي أصبحت سجينته وتحت وطأة أسر صاحبه منذ زواجهما .. جلست على المقعد واهنة وضعيفة كأنها صارعت أمواجا عاتية لتخرج من هذا الكرب .. فعادت إلى البر مرة أخرى بعد أن تحطم زورق أحلامها وضاعت كرامتها و فقدت حقها كزوجة وشريكة حياة ..
و غدت بقايا من بقايا امرأة .
تناولت الدفتر الموضوع أمامها على المنضدة بجانبها وراحت تقلب أوراقه المتشققة ..
مجموعة رسومات مبهمة لا معنى لها .. و شخابيط مبعثرة قام بخطها طفلها الصغير .. و ملامح حيوانات وفراشات صغيرة رسمتها ابنتها الصغيرة .. أمسكت بالقلم و جرته جرا على وجه الورقة محاولة أن ترسم شيء.. أي شيء .
رسمت دوائر و أشكال وخطوط متقاطعة لا توحي بشيء .. وسرحت في عالم آخر .. تذكرت يوم خطبتها والسعادة الغامرة التي اجتاحتها ولهفتها لتكون زوجة مستقلة وأما وسيدة بيت .. رسمت الكثير من الأحلام وخططت للمستقبل بكل الحب والفرح يرافقها الإصرار لتحقيق جميع رغباتها ..
تذكرت يوم زواجها وسعادة زوجها معها .. زوجها الذي كانت ترى في عينيه الحب والعشق مع كل نظرة من نظراته.. و عهده أن تكون هي فقط الشريكة والحبيبة والصديقة .. رسم لها المستقبل قصرا لبناته حب و جدرانه حنان .. و حديقة احترام نَبتُها السعد والسرور ..
و بعد عام من الزواج انقلب كل شيء رأسا على عقب .. حتى هو ..
الحب صار وهما .. والسعادة غدت تعاسة .. والغيرة شك .. والمودة استعباد .. والعشق تملك وأنانية وفرض سيطرة لا أول له ولا آخر ..
انهار القصر .. وتحطمت الجدران وذبلت الورود ..
وذهبت أمانيها أدراج الرياح ..
مع الصباح استيقظت ممتلئة بالهدوء وقد سرى في دمها أملا جديدا وُلد مع بعثرة الأوراق حولها ..
أماطت عن الأرض صفحة من الدفتر افترشها وجه امرأة حزينة تتشح السواد ..
تحدث القلم بما خالجها و رسم إحساسها بعفوية ودقة ..
تأملتها ملّيا .. وقررت ..
اليوم .. هي هناك .. تسكن ركن قصي من منزلها الشاحب .. تمسك الريشة وعلبة الألوان ..
امرأة أخرى .. مجروحة القلب ومكسورة الخاطر .. لكن .. فنانة .
****************
*تم نشرها في صحيفة الرياض السعودية
بتاريخ الإثنين 26 شوال 1423 هـ
الموافق 30 ديسمبر 2002 م
العدد 12607
عادت إلى بيت زوجها كسيرة راضخة لمصيرها وقانعة بالأمر الواقع الذي فرضته عليها الظروف .. تحتضن طفليها وتضمهما بكل شوق ولهفة بعد أشهر من الحرمان .. عادت إليهم مجبرة على استمرار الزواج بينها وبين أبيهم ..
عادت لهم ومن أجلهم فقط ..
في تلك الليلة لم تستطع النوم .. فقد اعتادت السهر يرافقها السهد و الضجر ..
تمشت قليلا في أرجاء البيت .. بيتها الذي أصبحت سجينته وتحت وطأة أسر صاحبه منذ زواجهما .. جلست على المقعد واهنة وضعيفة كأنها صارعت أمواجا عاتية لتخرج من هذا الكرب .. فعادت إلى البر مرة أخرى بعد أن تحطم زورق أحلامها وضاعت كرامتها و فقدت حقها كزوجة وشريكة حياة ..
و غدت بقايا من بقايا امرأة .
تناولت الدفتر الموضوع أمامها على المنضدة بجانبها وراحت تقلب أوراقه المتشققة ..
مجموعة رسومات مبهمة لا معنى لها .. و شخابيط مبعثرة قام بخطها طفلها الصغير .. و ملامح حيوانات وفراشات صغيرة رسمتها ابنتها الصغيرة .. أمسكت بالقلم و جرته جرا على وجه الورقة محاولة أن ترسم شيء.. أي شيء .
رسمت دوائر و أشكال وخطوط متقاطعة لا توحي بشيء .. وسرحت في عالم آخر .. تذكرت يوم خطبتها والسعادة الغامرة التي اجتاحتها ولهفتها لتكون زوجة مستقلة وأما وسيدة بيت .. رسمت الكثير من الأحلام وخططت للمستقبل بكل الحب والفرح يرافقها الإصرار لتحقيق جميع رغباتها ..
تذكرت يوم زواجها وسعادة زوجها معها .. زوجها الذي كانت ترى في عينيه الحب والعشق مع كل نظرة من نظراته.. و عهده أن تكون هي فقط الشريكة والحبيبة والصديقة .. رسم لها المستقبل قصرا لبناته حب و جدرانه حنان .. و حديقة احترام نَبتُها السعد والسرور ..
و بعد عام من الزواج انقلب كل شيء رأسا على عقب .. حتى هو ..
الحب صار وهما .. والسعادة غدت تعاسة .. والغيرة شك .. والمودة استعباد .. والعشق تملك وأنانية وفرض سيطرة لا أول له ولا آخر ..
انهار القصر .. وتحطمت الجدران وذبلت الورود ..
وذهبت أمانيها أدراج الرياح ..
مع الصباح استيقظت ممتلئة بالهدوء وقد سرى في دمها أملا جديدا وُلد مع بعثرة الأوراق حولها ..
أماطت عن الأرض صفحة من الدفتر افترشها وجه امرأة حزينة تتشح السواد ..
تحدث القلم بما خالجها و رسم إحساسها بعفوية ودقة ..
تأملتها ملّيا .. وقررت ..
اليوم .. هي هناك .. تسكن ركن قصي من منزلها الشاحب .. تمسك الريشة وعلبة الألوان ..
امرأة أخرى .. مجروحة القلب ومكسورة الخاطر .. لكن .. فنانة .
****************
*تم نشرها في صحيفة الرياض السعودية
بتاريخ الإثنين 26 شوال 1423 هـ
الموافق 30 ديسمبر 2002 م
العدد 12607
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق