الجمعة، 29 أبريل 2011

متى سأكبر ؟؟ - قصة قصيرة ( الحلقة الرابعة )




تاتا .. حبة حبة*
الجزء الثاني







أخي العزيز يحبني كثيرا أعرف ذلك جيدا ، لكن طريقته في التعبير عن محبته عنيفة و ذكورية جدا .. فهو يحملني بقوة ويُقبلني بعنف حتى يكاد خداي يتقطعان من تقبيله ثم يطرحني أرضا بسرعة خاطفة قبل أن يجيء أبي فيوبخه لحمله لي . أخي ما يزال صغير السن ، يكبرني بثلاث سنوات فقط ، وخطر علي أن يرعاني أو يحملني فهو أيضا بحاجة لمن يرعاه و يوجهه .
أحيانا كثيرة أشاركه اللعب بسياراته و ألعابه، لكنه سرعان ما يسلبني حق اللعب معه فيحملها بعيدا عني ويذهب بها إلى غرفته ، وأبقى أنا وحدي أمارس هوايتي في التقاط الأشياء عن الأرض و إخفائها في فمي .. و أشعر بذروة السعادة عندما أتمكن من بلعها دون أن يلحظني أحد .

كثيرا ما تشاركني عمتي اللعب و المرح ، أحيانا تسمح لي بأن أرافقها إلى غرفتها أو كما أحب أن ألقبها ( الكنز ) .
نعم .. هي كنزا بالنسبة لي .. بجدرانها الزاهية  و صوري أنا وأخي التي زينتها بها .. والدمى الصغيرة و الشموع التي تناثرت في الأركان .
ما يلفت نظري في حجرتها هو هذه الطاولة التي سكنت في الزاوية .. طاولة بيضاء صغيرة نسبيا تناثرت فوقها الأوراق والتي ما أن أبعثرها على الأرض حتى تضحك عاليا و تقول لي " فداكِ كل أوراقي " .. يا الله كم تحبني عمتي .
سأطلعكم على سر صغير .. هي تسمح لي بأن أشاركها أحمر الشفاه .أجل .. فهي تصبغ شفاهي به فأغدو أجمل طفلة رأتها عيناها ، هكذا تقول لي دوما . عمتي قد تكون مفتاحي لعالم الأنثى بكل أسراره و تفاصيله .. فحجرتها بوابتي إلى هذا العالم الكبير .

أما جدتي فحدث ولا حرج .. أجدها تبالغ كثيرا في تدليلي حتى بت أخشى على نفسي من أن يؤثر ذلك على شخصيتي عندما أكبر رغم استمتاعي بهذا الدلال وسعادتي به .
عندما أُطل عليها بوجهي الصغير وملامحي البريئة حتى أرى الفرح يبرق في عينيها و تحملني إلى صدرها فتغرقني بحنانها و عطفها ألاّ متناهيان . كل ما أطلبه تلبيه لي .. وكل ما أريده أراه حاضرا دائما .. لم تقل لي " لا " قط .. حتى عصاها التي تتوكأ عليها صارت أداة لهو ولعبة في يدي .
عندما تحاول أن تمنعني عن أي شيء قد يكون مصدر خطر علي كل ما أفعله هو رسم الحزن على ملامحي وتمثيل البكاء حتى أجدها سرعان ما تلبي رغبتي وتقول لي " لا ، لا تبكي يا حفيدتي الحبيبة .. هيا خذي هذا " ..
 و ما أجمل أن أمتلك ما أريد .. و يا لذة الانتصار .

بالأمس فقط تمكنت من المشي بضع خطوات قصيرة ثم وقعت أرضا ..
كان إنجازا بالنسبة لي عندما وجدت نفسي وقد أفلتُ يداي الاثنتين من طرف المقعد وخطوت أولى خطواتي .. شعرت بأن الأرض بعيدة و واسعة جدا .. وأنا كالأرنب الوليد في أول قفزة له .
إنجازا عززه أهلي عندما هتف الجميع بصوت واحد " شاطرة " ثم علا تصفيقهم و احتل كل مساحات الصوت حولي .
لمحت سعادتهم بي وغبطتهم وسرورهم بإنجازي العظيم هذا حتى صرت أشك بأني على أعتاب المشاركة في سباق ركض قادم لا محالة .
لم أدرك حينها بان هذه الخطوة ما هي إلا بداية لخطوات أصعب و مشوار طويل ابتدأته للتو .
الذي استغربه حقا هو انخراط أخي في الضحك أثناء وقوفي لأبادر بالمشي .. وعندما تسأله جدتي عن سبب هذه النوبة المفاجئة من الضحك يقول لها : " ها ها ها .. إنها كالبطريق " .
تساءلت مرارا عن ماهية هذا البطريق حتى جاء ذلك اليوم الذي كنت فيه أشاهد برنامجا عن عالم الحيوان .. ورأيت هذا المدعو بطريق .
طائر أسود غريب الهيئة ويمشي بشكل يتمايل فيه نحو اليمين ثم اليسار و .. .. .." امممم .. فعلا أبدو كالبطريق .. لا يهم .. اليوم أنا كبطريق .. غدا أمشي كالغزال .. كونوا على الموعد " .
ولن يكون مشيي كمشي الغزال فقط ، بل حتى بصري سيكون كبصر  الصقر .. فقد صار مجال الرؤية عندي أوسع وأكثر شمولية لما يحيط بي .. و قدرتي على الإفلات من أي عوائق قد تعترض اكتشافاتي صارت أكثر سهولة و يسر .
 لا يهم عدد المرات التي وقعت فيها على الأرض ..
ولا يهم عدم التوازن في المشي بعد ..
و لا يهم كم الكدمات و الرضوض التي أتعرض لها يوميا بسبب سقطاتي المتكررة ..
الأهم هو أني أخيرا .. قد مشيت .

************************************

يُتبع ..

* حقوق الأغنية محفوظة للفنانة المصرية الراحلة فاطمة النبوية الشهيرة بــ أحلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق