الجمعة، 22 أبريل 2011

متى سأكبر ؟؟ - قصة قصيرة ( الحلقة الثالثة )




تاتا .. حبة حبة*
الجزء الأول






" لا .. كِخْ " ..
جاءني صوت أمي من بعيد ينهرني عن لمس هذا الشيء الصغير الأسود الذي يمشي على الأرض .. لم أعرف ما هو و أمي لم تقل شيئا البتة عن هويته سوى كلمة " كِخ " .. حسنا .. لماذا كِخ ؟؟ .. وما هو هذا الشيء أساسا ؟؟ .. ولماذا ممنوعة أنا عن لمسه ؟؟ .. أسئلة كثيرة أتمنى لو أجد لها إجابات مقنعة غير كلمة (كِخ) ..
منذ بدأت الحبو صرت أكتشف وأستكشف معالم جديدة و أشياء غريبة وبعضها يفاجئني نوعا ما ..
ذات يوم صحوت من نومي في الصباح الباكر قبل حتى أن يستيقظ جميع من في البيت . تمسكت بحاجز سريري الخشبي الصغير ووقفت .. نعم وقفت .. أخيرا استطعت الوقوف بعد أشهر طويلة من الحبو .
فرحت كثيرا وصرت أقفز كالغزال الشارد .. هو شارد بينما أنا محتجزة بين أعمدة هذا السرير .. وجلّ خوفي أن يطول هذا الاحتجاز و بصور أخرى .. !!
تعبت ساقاي من الوقوف فوقعت .. والحمد لله لم أصب بأذى سوى ارتطام رأسي الصغير بطرف السرير . اتكأت على يدي اليمنى كي أتخذ وضعية الجلوس .. وبعد محاولات شتى فشلت خلالها تمكنت أخيرا من تحقيق التوازن .. وجلست .

هدوء تام يسكن حجرتي .. لا صوت ولا همس ولا حركة سوى أصوات العصافير التي تزور نافذتي بين الحين والآخر لتطل علي وتطرق نافذتي تحية لي ..
أخذت عيناي تجولان بين النافذة والباب أنتظره أن يُفتح ويدخل أحدهم لينتشلني من هذا القفص. فترة زمنية طويلة قضيتها وحدي وأنا أردد بيني وبين نفسي " الآن ستأتي ماما .. الآن ستأتي ماما " .. ولكن ماما لم تأتِ .
" ماذا أفعل الآن ؟؟ .. أنا جائعة و أريد الحليب  " . لم يعد أمامي سوى صفارات الإنذار، وصرخت بأعلى صوتي باكية .
ثواني قليلة فقط و فُتح الباب وجاءت أمي .. " اممم .. جميل جدا .. لا يستجيبون لي إلا إذا بكيت .. حسنا .. سترون إذا.. سأستخدم هذا السلاح منذ الآن " .

كل صباح وبعد أن أشرب حليبي وأتناول إفطاري والذي كثيرا أرفضه لطعمه الغريب .
 حسنا .. دعوني هنا أحدثكم قليلا عن طعام إفطاري ..
هو عبارة عن شيء ما طري وليّن فأسناني لم تنمو بعد سوى سن واحد قصير وأبيض جدا بلون الحليب .. سعيدة أنا به رغم معاناتي مع ارتفاع درجة الحرارة بين الحين والآخر .. مرة قالت الطبيبة لأمي بأن ارتفاع الحرارة عادة ما يصاحب نمو الأسنان عند الأطفال و لا يجب أن يقلقها هذا الأمر .. فهو طبيعي جدا.
"حسنا .. لا داعي لأمي أن تقلق أما أنا فلأتألم و أبكي لا يهم .. وا عجبي !! ".
أعود لطعام إفطاري الغريب .. سؤالي المطروح والذي ما تنفك عيناي تسألان أمي عنه .. " لماذا تخلطين هذا الطعام مع الحليب مادمت قد شربته من قبل ؟؟" .. حقا لماذا ؟؟ .. أم المسألة مجرد تنويع لنكهات الغذاء ؟؟ .. هل من إجابة يا سادة ؟؟ .. لا يهم .. عندما أكبر ستجيبني الأيام .

بعد أن أتناول طعامي ( الحليبي ) تأخذني أمي في جولة صباحية خارج المنزل .. تحديدا إلى حديقتنا الخارجية كي ألعب تحت أشعة الشمس الدافئة فهي ستساعدني على بناء عظامي وتقوية بُنيَتي . " قد أشترك في مباريات للمصارعة يوما ما .. من يعرف !! " .
أحب كثيرا اللعب في الحديقة و التمتع بأشعة الشمس والأهم من كل ذلك أكل النباتات ..
نعم .. كثيرا ما أتحين الفرص التي تنشغل فيها أمي بحديث هاتفي أو قراءة صحيفة لأقتطف زهرة صغيرة أو نبتة خضراء و أضعها في كهفي الصغير المدعو ( فم ) . وأقضمها قليلا قليلا وبكل هدوء وأنا أراقب أمي بطرف عيني حتى لا تلاحظني و تسرع في انتشالها من فمي مصحوبة هذه العملية بالكلمة اللغز ( كخ ) .. وترميها بعيدا عني وهي تحملني عائدة بي إلى داخل المنزل .
" لابد وأني سأكون شقية جدا عندما أكبر " .

ذات يوم كنت ألهو بالقرب من أخي أثناء لعبه بمجموعة دمى صغيرة الحجم .. ما لفت انتباهي و حيرني هو الأصوات التي يصدرها أثناء اللعب بتنوعها و رناتها المختلفة . تارة يزأر كأسد وتارة يغرد كعصفور نافذتي .. وتارة أخرى يصرخ كغوريلا . لا تسألوني كيف تمكنت من معرفة مسمياتهم فهي مسألة ذكاء وسرعة بديهة أملكها بشهادة الجميع .
التقطت إحدى الدمى بخفة ووضعتها في مغارة جوفي فصرخ أخي غاضبا و أخرجها من فمي بعنف وقوة أبكتني بشدة فجاءت أمي و نهرته فيما رحت أنا أحبو باتجاه هذا الجحور السوداء المرسومة على الجدار ووضعت إصبعي الصغير داخل إحداها ، وبسرعة البرق حملتني أمي عن الأرض صارخة في وجهي ( كخ ) . " يا إلهي ما هذه الـ (كِخ) التي غدت كابوسا يطاردني طيلة يومي ويقف عائقا بيني وبين استكشافاتي ؟؟!! " ..
لا يهم .. غدا سأتمكن من المشي و أعدو بسرعة البرق و ليمسكوا بي إن استطاعوا .


***************

يُتبع ...

* حقوق الأغنية محفوظة للمطربة المصرية الراحلة فاطمة النبوية الشهيرة بـ أحلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق