الجمعة، 15 أبريل 2011

متى سأكبر ؟؟ - قصة قصيرة ( الحلقة الثانية )




يلا تنام يلا تنام .. لادبحلها طير الحمام*
الجزء الثاني





اليوم بلغت من عمري الشهر .. أنا في بيتي الآن و محاطة بجميع أهلي .. ما تزال الرؤية عندي غير واضحة بعد .. ولكن أستطيع الربط بين الوجه وبين ما كنت أسمعه من أصوات عندما كنت في بطن أمي  قبل أن آتي إلى هذه الحياة ..

منذ وصولي إلى البيت استغربت من الأوضاع التي أنا فيها .. أحس بأنني كالدمية أنتقل من يد إلى أخرى دون أي اعتبار لمشاعري أو احتراما لفترة نومي .. دائما يزعجوني .. وعذرهم الوحيد الذي أسمعه  دوما .. " كم هي جميلة و رائعة دعوني أحملها " .. وفجأة أرى نفسي محمولة على الأكتاف .. ويلومونني إن بكيت أو صرخت .. فهم لا يعرفون بأنني أعبر عن مشاعري المكبوتة وغضبي المتأزم لأنهم حرموني من أبسط حقوقي وهي النوم ..

هذه السيدة أعرفها وقد سمعت صوتها المرتجف من قبل .. أها.... إنها جدتي .. ولكن .. لم شكلها هكذا ؟؟  وجهها مليء بالحفر الطولية والعرضية .. وبضع أشياء بيضاء  في شعرها .. من فعل بها كل هذا ؟؟ .. أتمنى لو أجد إجابة لهذا السؤال الذي بات يؤرقني في كل مرة تحملني بين يديها ..
كثيرا ما أجدها تمسح على رأسي و لا أعرف لماذا ..أخشى ما أخشاه هو قصها لشعري ..
ها هي قادمة لتحملني .."  يا إلهي .. ماذا ستفعل الآن ؟؟ "..
 لا لم تفعل شيئا ..الحمد لله .. فقط قبّلت جبيني المليء بالقشور .. جات سليمة ..

والآن ها قد جاء هذا الضخم ذي الصوت المرعب والقوي .. مهلا .. إنه يدنو مني ليقبلني .. ماذا ؟ ماذا يقول ؟ " أنا بابا يا حلوتي " ..أجل .. إنه أبي الحنون .. أبي الذي ما أن أكون  بين يديه حتى أشعر بالطمأنينة .. أشعره ظهري الصلب الذي أستند عليه .. أشعر بأصابعه وهي تمسح على أطراف أصابعي كأنها تمهد لي طريقا سأمشيه غدا و تقودني نحو مستقبلي القادم وأنا مغمضة و واثقة بأنه الأمان ..

لاااااااا.. جاء أخي الشرير ..يا ويلي .. متى سأتمكن من التحدث لأخبر الجميع بما يفعله بي أثناء انشغال أمي عني ..
إنه ينتهز فرصة نومي  فيقرصني ويشد لي شعيراتي  ويضع إصبعه داخل عيناي الصغيرتين وفتحتي أنفي ..وأنا لا حول لي ولا قوة ولا أستطيع الدفاع عن نفسي ..
لاحظت  أمي اليوم أثر خربشات على خدي وأن إحدى فتحتي أنفي أكبر من الأخرى .. فأعزت السبب إلى أظافري البريئة من التهمة الموجهة إليها .. فما كان منها إلا أن أسرت أصابعي النحيلة الوردية في هذا الجورب الضيق الحار وسجنت جسدي الغض في شرشف أبيض ..
يا إلهي .. كم أنا حزينة وجائعة ومختنقة  الآن سأصرخ بمليء فمي ..
جاءت أمي راكضة نحوي .. كم هو جميل لفت الانتباه .. وكم هي جميلة وحنونة .. ستقوم بتغيير (........) .. لن أقول .. فأنا خجولة ..
والآن سترضعني فأحس بالدفء والنعاس .. ولكن ما أن أستسلم للنوم حتى تصل إلى مسامعي كلمات جارحة ومهينة وتمس كبريائي .. أسمعها تقول .."وأخيرا نامت " ..
ما هذا ؟؟ .. هل أنا مزعجة إلى هذا الحد ؟؟  حسنا سأصرخ مرة أخرى ..

أخيرا جاءت عمتي راغبة في تنويمي .. كم أحبها و أحب تدليلها لي .. ما أن تراني أبكي حتى تركض لاهثة نحوي كي تحملني وتقبلني بكل حنان .. تداعبني وتلاعبني و تغني لي ..
كثيرا ما تُدخلني معها في عالمها الخاص . حجرتها الكبيرة و المليئة بالأشياء الملونة .. دببة صغيرة و صورا لي تملأ جدرانها و أركانها و زواياها .. أنا واثقة بأنني عندما أكبر ستكون عمتي صديقتي و ستسمح لي مشاركتها أشياءها الخاصة .. و طبعا سأستغل ضعفها نحوي لأحقق غاياتي و أحلامي الصغيرة .
حملتني بطريقة جعلت من كتفها وسادة لرأسي الصغير وبيدها راحت تربت على ظهري ربتا خفيفا و رقيقا .. و دارت بي في أنحاء حجرتي الوردية حتى نعست .
وضعتني بهدوء تام في فراشي الدافئ وأرخت الغطاء القطني على جسدي الصغير كي لا أشعر بالبرد .. أطفأت الأنوار عدا مصباح صغير في زاوية حجرتي حتى لا أخاف .
لم انم .. بل تصنعت النوم لا أكثر ..
لا أفهم لِم يفرضون علي النوم فرضا كأنه أمر بديهي لرضيعة في عمري ؟! .. حتى و إن لم أكن أشعر بالنعاس !! ..
بقيت مستيقظة أتأمل هذا الشيء الذي علقوه فوق رأسي .. أشكالا غريبة تصدر موسيقى جميلة ويدور ويدور ويدور حتى يدور رأسي معه .. وأستسلم للنوم  .. أو أدوخ ؟؟ .. لا يهم .. فالأمر سيان .

لاااااا .. لقد عاد أخي المتوحش ليشد شعيراتي ..
حسنا .. غدا سأكبر وأنتقم منه وأشد له شعره الكث . وحتى أكبر لن أفعل شيئا سوى أن أرضع وأنام وأصرخ .. وطبعا سأدخل في دوامة من التنقلات بين الأيادي .. و قرصات أخي الشرير .. والانتقال من غرفة إلى أخرى .. ومعاناة لا أول لها ولا آخر مع الجوارب الضيقة و الشراشف الخانقة .. وإحساس بالدهشة والتساؤل عن سر تأملات جدتي لشعيراتي  القليلة ومسحها على رأسي الصغير الذي ما أن يأتي المساء حتى يلف ويدور ألف مرة قبل أن أنام .
 يا إلهى ..

متى سأكبر ؟؟ ..



*************************************
يُتبع ...

حقوق الأغنية محفوظة لـ فيروز*

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق