الأربعاء، 13 أبريل 2011

متى سأكبر ؟؟ - قصة قصيرة ( الحلقة الأولى )

يلا تنام يلا تنام .. لادبحلها طير الحمام*
الجزء الأول







" وااااااااااء " ..  وكانت صرختي الأولى ..

كيف لا أصرخ أو أبكي و أنا أُجر جرا للخروج من شرنقتي الدافئة داخل حضن أمي ؟؟ ..
كنت سعيدة جدا بعالمي الخاص .. كنت أسبح و أعوم وحدي بلا شريك أو دخيل .. أما الآن .. ها أنا هنا  وسط هذه الكومة من الأجناس الغريبة ..
أراهم يحيطون بي من كل الجهات و كأنني كنز ثمين كل منهم يريد الحصول عليه .. و هذا الطبيب المجرم الذي انتزعني من عالمي الآمن بقوة وبلا رحمة أخذ يخبط على ظهري و كأني لست بشرا مثله لي خلايا عصبية و أشعر بالألم ..!! ..
وليس هذا فقط .. لقد رأيته بأم عيني الصغيرتين المدورتين وهو يمسك بأداة الجريمة ويقطع مني حبلا طويلا كان يصِلني بأمي .. أمي التي ما أن رأتني واحتضنتني حتى راحت تبكي .. صرت أنا أيضا أصيح بعنف و لتهتز ببكائي جدران المستشفى ..
سيل جارف من القبل راحت أمي تغرقني به .. ودموعها تترقرق على وجنتيها كجدول صغير .. لماذا ؟؟ ..
سألت نفسي كثيرا هذا السؤال وأنا أتلوى بين يديها و أخرج لساني لعشرات المرات في الدقيقة ..
قد تبكي فرحا بي .. أو خوفا علي من هذا العالم الجديد الكبير .. أو أنني جئت وجاء الهم معي ؟؟ .. لا أعلم ..  
ما تزال تحتضنني بكل رقة و تقبّل جبيني الصغير الندي بكل حنان .. ثم تضمني كثيرا إلى قلبها و كأنها تريد أن تعيدني إلى داخلها مرة أخرى ..
" هيهات يا أماه .. فقد فات الأوان " ..

بعد دقائق انتشلتني من حضنها امرأة غريبة مُبهمة المعالم حتى لا أكاد أرى عينيها لصغرهما العجيب ثم وضعتني فوق طاولة صغيرة وراحت تسكب على جسدي الناعم ماءً ساخنا .. " ما هذا ؟؟ .. هل أنا قذرة إلى هذا الحد حتى تغسلني بماء ساخن ؟؟ .. " وأشحت بوجهي عنها نحو الجهة الأخرى علّني أرى أمي ..
" ولكن ؟؟ .. ما الذي أراه الآن ؟؟ " ..
يا إلهي كم أنا بشعة .. لماذا تبدو ملامحي بهذا الشكل ؟؟ .. أنفي الذي تساوى مع خداي المتورمتان .. وشفتي التي زاد انتفاخها .. وهذه الطبقة البيضاء والقشور الغريبة التي غلّفتني  من رأسي حتى قدمي .. وعيناي تروحان وتجيئان .. و .. و .. هل هذا حَوَل ؟؟ .. لاااا !! ..
" هل سأكمل بقية حياتي بهذا الشكل ؟؟ " ..

بعد أن انتهت هذه المرأة العجيبة من تغسيلي راحت تلبسني أشياء غريبة ..
" تُراها ما هي فاعلة بي ؟؟ " .. لقد أقحمت فخذاي الصغيران داخل شيء قطني كبير ثم ضغطت على خصري النحيل الرقيق بحزام عريض .. " اممممم .. ما هذا يا ترى ؟؟ " ..
جريمة .. جريمة !! .. و كلما يزداد صياحي قوة كلما تزداد هي تكبيلا لي داخل هذه الألبسة الغريبة .. هي ناعمة ودافئة لا أنكر ذلك أبدا .. لكنها تقيدني ولا أستطيع معها الحراك .
" هل ستستمر حياتي على هذا المنوال ؟؟ .. دائما مكبلة ؟؟ عجيب !! .. " ..

صرت أتململ كثيرا وأنا بين يديها .. جُعت أنا وهي ما تزال تحشرني داخل هذه الأقمشة بلا هوادة ولم ينقذني منها سوى صرخة مدوية صرختها .. وبسبب هذه الصرخة الدراكولية حملتني فورا إلى أمي كي تغدق علي حنانها و تروي عطشي  لحضنها الدافئ الذي يذكرني كثيرا بأيام كنت فيها داخل أحشائها الآمنة ..

غفوت قليلا وهي تحيطني بيديها .. ولكن لم أغفو حقا كما بدوت لهم ..
كنت أسترق السمع لحديثها مع هذه المرأة العجيبة التي أخذتني من حضنها للمرة الألف منذ ساعة مولدي  و وضعتني داخل فراش ناعم يحيط به الزجاج من كل جانب .. و كأنها تقول لي " سيبقى هكذا عالمك .. سهلا أن تريه و تعيشيه وصعبا أن تكسري قيوده التي ستحيط بك .. رغما عنكِ " ..
 ثم سارت بي خارجا دافعة بمخدعي نحو عالمي الجديد الغامض الكبير .. لتبدأ معه حياتي  !! ..

أدخلتني حجرة كبيرة و رائحة التعقيم تفوح منها كحارسنا الأمين من الجراثيم .. " لعلهم نسوا بأن الأمان من الله و هو حافظنا الوحيد من كل سوء " ..
نعم نعم .. لا يخدعكم صغر حجمي الذي لا يتعدى حجم نصف الذراع .. لأن عقلي يعي تماما ما هي الحياة ...
حكيمة أنا صدقوني ..
استقر مخدعي في ذلك الركن القصي من الحجرة .. حاولت أن أفتح عيناي أكثر لأتمكن من التركيز مع ما يحيط بي .. فصُعقت من هول ما رأيت ..
انتشرت الأسرّة الملونة حولي وداخل كل سرير نامت أجسادا صغيرة تُعادل صغر حجمي أو تكبره قليلا جدا .. جدا ..
لم تكن هنا المشكلة .. المشكلة الأعظم هي في أصوات البكاء الذي أخذ يصدح في الأرجاء .. و كأن أصدقائي في سباق بكائي مراثوني لا مكان فيه لمغلوب .. وكلهم سيَغلبون ..
" يا إلهي ما هذا الإزعاج الآن .. والله لقد كنت مرتاحة جدا وأنا في شرنقتي الجنينية الهادئة .. كنت بالكاد أسمع صوت أمي و أهلي .. أهلي ؟؟ .. لماذا لم أتعرف إليهم بعد ؟؟ " ..

إزعاج  وبكاء  و أصوات مبهمة و أحاديث جانبية بين النسوة اللاتي توشحن بالبياض ..يدخلن ويخرجن في مناوبات مستمرة .. على هذه الحال قضيت ليلتي الأولى في هذه الحياة ..

عندما انتصف الليل ساد الهدوء أركان الحجرة .. فتحت عيني بروية و مهل كي أستطلع الوضع و ما آل إليه بعد صخب الساعات الماضية . رأيت جميع أصدقائي نياما إلا واحدا ..
تبادلت معه بضع نظرات قصيرة وابتسمت له ابتسامة عذبة رقيقة و ملت برأسي الصغير نحو الجهة الأخرى .. ليس لشيء محدد بل لأزيح عن جبيني هذا الشعر الكثيف الذي انسدل وحجب عني الرؤية بشكل واضح .. وأيضا كي أكشف له عن عيناي الجميلتان ..
" الأنثى وما أدراك ما الأنثى " ..

أدرت له وجهي مرة أخرى .. فوجدته يصارع هذا القماش الذي كبلوه به هو الآخر وكأنه يريد أن يُريني كم هو قوي و قادر على مواجهة الصعاب .. وكأنه يكشف لي عن عضلاته المفتولة ومنكبيه العريضين ..
شيئا فشيئا استطاع أن يُطيح به على جانب الفراش .. مما دعاني إلى التساؤل حول استطاعته فك القيد و التحرر من هذا القماش الذي كبلونا به جميعنا .. إناثا وذكورا ..هل هي قوة جسدية لا يتمتع بها غير الذكور ؟؟ .. أم هي مسألة تفوق عقلي و تفكير وتدبير أكثر دقة منا نحن الإناث ؟؟ .. أو هي مجرد مقدمات لما سيأتي به المستقبل و ما سأواجهه من عقبات وصعاب لن تمر بها سوى الأنثى ؟؟ .. لا أعرف بعد !! .
أزاح عنه الغطاء قليلا بقدرة كالسحر لينكشف لي هذا الذراع الضئيل .. " يا إلهي .. أين العضلات التي تخيلت أني سأراها .. ما هذا الجسد الضعيف ؟؟ .. " ..
أشحت بوجهي عنه نحو السقف كي أنام .. " يا للمظاهر الخداعة ويا للقوة المستترة التي يتمتع بها هذا الذكر .. ماذا بعد سأرى فيكِ أيتها الحياة ؟؟ " ..
أرخت جفناي الصغيران .. و نمت ..


***********************

يُتبع ................

* حقوق الأغنية محفوظة لـ فيروز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق