الجمعة، 10 يونيو 2011

متى سأكبر ؟؟ - قصة قصيرة ( الحلقة العاشرة )




* ماما زمانها جاية


امتلأ بيتي بالصخب والضجيج .. البالونات بعضها معلق على السقف وعلى الجدران والآخر ملقى على الأرض .. وبعض البقايا تناثرت في الأرجاء .. ضحكات وصراخ الأطفال وأصواتهم تداخلت مع أصوات الأغاني التي انتشر صداها في أرجاء البيت .. حديقتي الخارجية مليئة بالأطفال وألعابهم .. ضجيج في كل حدب وصوب ..
عند الثامنة مساءا .. أُطفئت كل الأنوار .. وعلى صوت الأغنية .. "هابي بيرث داي تو يو" .. وضوء لهب الشمعات يتراقص بفرح ليشارك ابنتي فرحتها ..

وكأنها بالأمس فقط أشرقت أنوارها في حياتي .
أذكر يوم أخبرتني الطبيبة بنبأ حملي .. لم تسعني الدنيا فرحا بها .. كم انتظرت ذلك اليوم ..
أول نبض في أحشائي .. واستدارة بطني .. وكِبر حجمها يوما بعد يوم .. فترة الوحم .. وإرهاق التسعة أشهر وثقل جسمي وزيادة وزني .. واختلاف طفيف في ملامحي .. كل ذلك وغيره .. دفعته ضريبة لأحلى فرحة في حياتي ..
وجاءت إلى الدنيا ..
أول لمسة .. أول نظرة .. أول صرخة بكاء .. أول احتضان .. أول ضحكة .. أول بسمة .. أول زحف وحبو .. أول خطوة .. أول سن .. أول كلمة نطقتها .. أول يوم في المدرسة .. أول درس .. أول عقاب .. أول هدية .. أول واجب مدرسي .. أول تكاسل .. هي أول قصة وحكاية ..
كل هذا مر كعبق زهر في ذاكرتي وهي تنحني لتطفئ شمعتها الثامنة .

أنجبت بعدها اثنين.. في سنين متقاربة .. توقعت بأن هذا سيكون أفضل لهم .. حتى يكبروا معا .. وكي يتقلص جهدي في التربية .. ولكن اكتشفت بأن التعب والجهد صارا مضاعفين ثلاث مرات .. كل شيء تضاعف .. حتى الحب والخوف والترقب والقلق والمسؤولية . توقعت أن أتعلم معها أساليب التربية والتقويم، على اعتبارها الأولى فستكون هي الأساس ومعها سأبني مفاهيم الأمومة وأعرف معناها .
ولكن .. و مع كل طفل يأتي أبدأ مشواري من جديد .. وأتعلم من جديد .. وأصير أما من جديد .

لا أنكر بأن حياتي تغيرت كليا منذ ولادتها وولادة بقية إخوتها .. انتقلت من دنيا إلى أخرى أكثر جمالا وسحرا .. تغيرت نظرتي إلى الحياة، صرت أراها بمنظارهم .. وأوافق وقتي مع أوقاتهم .. تغيرت شخصيتي واهتماماتي وأولوياتي ..
نمط أيامي كله تغير .
حتى والدهم .. أصبح كاهل المسؤولية على عاتقه أكبر .. وصار يسبق حاجاتهم على حاجته .. ورغباتهم على رغبته .. والسعي على تحقيق أحلامهم قبل حلمه .. لم لا !!.. وأبناءنا هم الحلم ذاته .. هم الأمل .. هم المستقبل الذي نبنيه ونسعى للوصول إليه وتحقيقه بكل ما نملك من إحساس وحب و عاطفة نستشعرها نحوهم ..
" ما أجمل الوقوع في حب طفل .. والأجمل عندما يكون هذا الطفل ابنك .. دمك و روحك .. قطعة منك خُلقت منك .. عزف قلبك من نبضاته " .
قبل زواجي عندما أجتمع مع صديقاتي الأمهات كنت أرسم لهم ملامح من أمومتي المستقبلية .. فأقول لهم : " أتمنى لو أنجب أطفالا توائم .. اثنان أو أربعة توائم دفعة واحدة " . ولا أتلقى منهم سوى جملة واحدة : " أنتِ مجنونة .. ليس سهلا أن تنجبي طفلا واحدا .. كيف بكِ تطمحين لتوائم ؟؟ .. غدا ستتزوجين و سنرى " .
الآن تزوجت و أنجبت ولحقت بالرَكب .. وصرت أردد ما كن يرددن.
" ليحفظ الله لي أبنائي من كل شر .. هم قطعة مني و إن لم يولدوا توائما " .
اسمحوا لي أيها الأعزاء بأن أقص عليكم أحداثا أشبه ما تكون بفيلم ملحمي ضخم .. مليء بالإثارة والتشويق.. من إخراجي و إنتاجي والبطولة المطلقة لصغاري.. و زوجي فيه ضيف شرف.
يبدأ نهاري عادة بمناورات عسكرية مع الأبطال الصغار، كالجندي في أرض المعركة .. أركض من حجرة إلى أخرى لأوقظهم من نومهم ثم أقوم بتحضير إفطارهم و إطعامهم.. وبعدها مساعدتهم في ارتداء ملابسهم و تجهيزهم للمدرسة .
غلبة وجلبة و فوضى .. بكاء و عناد و شروط لا أول لها ولا آخر يفرضها علي الصغار عند اختيار الطعام الذي سيرافقهم إلى المدرسة . أحيانا يخضعون لي طائعين .. و كثيرا ما كنت أنا الخاضعة .. " قلب الأم أيها البشر " .
كثيرا ما يساعدني زوجي في هذه المهام .. وبعض الأحيان تساعدني الخادمة لسبب بسيط .. فهو ما يزال نائما.

بعد ذهابهم إلى المدرسة و مغادرة زوجي إلى مقر عمله .. يبدأ يومي ..
نسيت أن أخبركم بأن أسرتي الصغيرة تنتظر ضيفا سيحل عليها مطلع الشهر المقبل .. " نعم .. أنا حامل " .. ولذا انا اليوم اقضي إجازتي الاضطرارية من العمل في جنتي .. بيتي ..
عادة ما أقضي نهاري مع بعض الصديقات ربات البيوت .. و أغلب أيامي أبقى في بيتي .. أهتم بشؤونه و أضع عليه لمساتي النهائية بعد أن تنتهي الخادمة من تنظيفه .
" ست بيت درجة أولى " .. بشهادة زوجي.

ذات ضحى .. بينما كنت منهمكة في القراءة رن جرس الباب، كانت صديقتي جاءتني زائرة أو (هاربة ) لوصف أكثر دقة.
تحادثنا سويا لبعض الوقت ثم راحت تبكي قهرا، أقلقتني بل أخافتني حد البكاء معها .. لبعض الوقت ثم أفاضت لي عما يعتصر قلبها ألما .. " زوجي تزوج علي " .. وانهارت تماما .
لم أتفاجأ ولم أستغرب أبدا زواجه بأخرى غيرها ليس لعيب فيه أو أنه كبعض الرجال الذين لا تكفيهم امرأة واحدة .. بل كانت هي السبب .
كثيرا ما كانت تحدثني عن خلافاتها معه و رغبتها بالانفصال عنه و عندما أسألها عن الداعي لهذا الانفصال المدمر تقول : " مللت منه " .
" مللت منه ؟؟ .. وا عجبي !! .. هل كل حالة ملل تصيب أي علاقة زوجية لابد حينها من انفصال الزوجين ؟؟ ..يا للسخرية " .
ببساطة .. كانت تجسد وبجدارة شخصية الزوجة المهملة لزوجها .. هذا الإهمال الذي ينبذه الرجل ويحسبه إذلالا لشخصه و إلغاءا لوجوده . فعند حضوره تحلق هي في فضاء آخر بعيدا عنه ، وتنغمس في شؤونها الخاصة و أحاديثها مع الصديقات أو السكن خلف ظلال مرآتها .
كنت دائما أنهيها عن ما ترتكبه من أخطاء في حق زوجها وبيتها .. وأحكي لها قصصا من بعض قراءاتي و ما أراه في المجتمع من حولي ، خصوصا وأن زوجها رجل عاقل و يُشهد له برحابة الصدر وسعة الخُلق .. و ليس ممن يرغبون في التعدد أو حتى مغازلة النساء .
" لا أكثر من الإهمال سببا سيدفع زوجك يوما للاقتران بأخرى " .. قلت لها يوما و ما سمعتني .. حتى وقع الفأس في الرأس .. و صار ما صار .

ما حدث معها أعادني بالذاكرة إلى اليوم الذي طلبت فيه من زوجي أن يستقدم لنا عاملة منزلية لتساعدني في أعمال البيت ..
همس لي حينها وبكل حنان : " سألبي طلبك .. فكل طلباتك أوامر .. ولكن عديني لو شعرت يوما بالعطش و اشتقت لرشفة ماء فلن يناولني إياها سواكِ " .. ابتسمت له مدركة حاجته.
تأكدت يومها بأن أي امرأة بإمكانها أن تكون ملكة في بيت زوجها و أن تعيش برفاهية كاملة .. يدللها ويلبي لها مطالبها كسيدة في قصر من ذهب .. و عندما يتعلق الأمر بشؤونه الخاصة يحب أن تكون هي فقط الحاضرة دوما.. وليس الخادمة .
" العاملة ستكون لخدمتي و مساعدتي أنا .. و أنا وحدي سأعتني بعائلتي .. فمن يحبها مثلي ؟؟ " .
قولا كثيرا ما سمعت أمي تردده و جدتي سبقتها إلى هذه القناعة .. و اليوم صار يقينا.

قد تتساءلون فيما إذا كان زوجي ملاكا أو شخصا كاملا .. لا يا أعزائي، لا هو بالمثالي ولم أكن يوما أنا أيضا كاملة .. لذلك لن أصف حياتنا بالمثالية ولا حتى يُضرب بها المثل .. فلكلينا عيوب و سلبيات كما هو الجانب الإيجابي و الحَسن يصفنا ويسكننا .
في البداية و في أول سنة لنا معا واجهتنا الكثير من الصعوبات كأي زوجين يبتدئان سويا مشوار حياتهما.
هذا طبيعي جدا .. فكلانا جاء من بيئة مغايرة عن الآخر .. إلى جانب أني امرأة و هو رجل .. و لكم أن تتخيلوا خلافاتنا و اختلافاتنا النفسية والفكرية ( البسيطة ) .. و أقول بسيطة لأننا استطعنا أن نجيرها لصالحنا . فلو كانت عميقة و كبيرة لما كنا حتى اليوم نتشارك هذه الحياة.
مررنا بالكثير من المشاكل العابرة والتي تضحكنا في بعض الأحيان .. فمثلا .. أنا أميل إلى الاستيقاظ متأخرا أما هو فأعتبره رجلا منظما و دقيقا جدا و كثيرا ما أمازحه بقولي :" نظامك بريطاني " ليرد ويقول :" نظامك بلا نظام " .
" خفيف الظل هو زوجي .. أليس كذلك ؟؟ " .

كنت كثيرا ما أراه سارحا و كأنه في دنيا أخرى غير دنيانا .. و ما كان يقتلني حقا هو هذا الصمت المريب الذي يطغى على حاله ليجرني معه نحو هاوية القلق .
ذات يوم كنت أقرأ كتابا يناقش العلاقة بين الرجل والمرأة . واستوقفتني إحدى الحقائق التي تشير إلى أن الرجل عندما تواجهه معضلة ما أو مشكلة في العمل أو أيا كان .. فإنه ينغلق على ذاته و يبقى في معزل عن الجميع .. حتى زوجته.
إنها طبيعته كرجل بخلاف المرأة التي تتحدث عن مشاكلها و تبوح بما تشعر به .. حتى و إن لم يملك الحل لمشكلتها.
" زوجي يبقى و حيدا حتى تنجلي الغمامة .. و أنا أحتاج إلى الإنصات في حد ذاته .. حقيقة استطعنا استيعابها .. و احترامها و ممارستها .. فاستقر بنا مركب الحياة على شاطئ الأمان " .

حقيقة أخرى لابد وأن أخبركم بها .
" حديث الوسادة " .. نعم يا أعزائي .. كما قرأتم تماما.
هذا الحديث الهامس بين أي زوجين وممارسته قبل النوم .. عندما يكون الذهن صافيا و الجسد مستلقيا بكل سكينة و الروح هادئة و مطمئنة .. سيكون للحديث أبلغ الأثر و للحكايات طعم آخر.
نبقى نتسامر ونتحدث عن أي شيء و كل شيء .. بلا حواجز ولا حدود . يحيطنا الهدوء الذي يغدو كمنفضة ننفض به ضغوط النهار و شوائبه .. فنغفو في سلام وتصالح مع النفس و كأن روحا جديدة تنتظر أن تولد مع شمس غدنا القادم .

لا توجد سعادة كاملة ، فدائما أراها كالحزن هما وجهان لعملة واحدة .. بالمشاركة سيموت الحزن و بالقسمة تزهر السعادة.حتى نمضي في حياتنا بإيجابية لابد وأن نكون محاطين دوما بالأشخاص المتفائلين كي يعم الفرح و يؤثر فينا ويغلف محيط دائرتنا .. على العكس منه التشاؤم والسلبية ، فما أتعس الفرد منا حين يتشارك الحياة مع شخص سلبي لا يرى منها سوى اللون الأسود القاتم .. والنصف الفارغ من الكوب.
" التفاؤل كقطعة شوكولاته نُهديها لمن نحب .. فنطعمها بشكل ألذ "..
مقتنعة وبشدة بأن إحساسي بالسعادة سينعكس على ملامحي وسيلحظها زوجي في قسماتي و سلوكي معه .. مما سيولد ذلك شعوره هو أيضا بها ..

" لا .. ليس خيالا و لا شعرا ولا رومانسيات فائضة .. بل هو حقيقة واقعة نعيشها كل يوم .. فالاستقرار النفسي نصنعه نحن و لا ننتظر من يصنعه لنا " .

سرقني الحديث عن الزواج و الأزواج ولم أكمل لكم مغامراتي مع أطفالي الأشقياء .
ما أن ينتصف النهار حتى أشتاق لضجيجهم و مشاكساتهم وأبقى أطارد عقارب الساعة حتى تحين عودتهم .. وما أن يُفتح باب البيت و تطل علي وجوههم البريئة حتى يستقبلهم حضني و أحيطهم بحناني كالسحابة في السماء تحضن ضوء القمر..
" أقماري الصغار.. كم أحبكم " .
أقضي معهم ساعات النهار بين استذكار للدروس و مشاهدة التلفاز و الكثير من فترات اللعب .
أحب كثيرا أن أشاطرهم المرح لتستيقظ طفولتي النائمة من سباتها الطويل وتزهر شقاوة و دلال .
كثيرا ما يباغتنا زوجي أثناء انسجامنا في اللعب .. فإما أن يشاركنا هو أو يتخذ مجلسا في زاوية الغرفة ويبقى هناك يراقبنا عن كثب .. فيبتسم حتى تشرق نواجذه و يصيح بأعلى صوته ضاحكا : " ما عدت أفرق بين الأم وبين صغارها .. جميعكم أطفال ".
" ما أجمل أن أعود طفلة في عمر أبنائي لأعود إلى زمن البراءة بدلا أن يسبقوا السنوات ليكبروا وهم ما يزالوا صغارا .. لابد و أن يعيشوا طفولتهم بكل ما فيها " .
هذه قناعتي .. و سأبذل كل ما في وسعي لأفسح لهم المجال كي يعيشوا كل مرحلة في حياتهم كما هي .. لا أن أسابق الزمن .. فيخسروا طفولتهم و يُحرموا منها.

كثيرا ما أقارن بين ما كانت عليه طفولتي و كيف هي طفولة ابنتي اليوم.. كيف كنت وكيف هي الآن .
تفوقني جرأة وتفرض رأيها بكل إصرار واعتزاز.. في عمرها كنت أكثر خجلا وأكثر هدوءا و صمتا . هل هو اختلاف شخصياتنا .. أو هو اختلاف الزمن ؟؟.
ومعاركي التي لا تهدأ ولا تستكين مع أخي .. كأنها عادت وتجددت مرة أخرى .. معها وإخوتها .. كيف وفي لمح البصر تنقلب أجواء البيت من الهدوء إلى الضجيج والبكاء والعراك والخصومات العنيفة في بعض الأحيان .. ولكنها لا تطول .. فهؤلاء الأطفال لديهم القدرة على المصالحة والعفو عن بعضهم البعض وفي زمن قياسي .. تعود المياه إلى مجاريها ويعود الصفو والهدوء .. وفي غمضة عين تطغى البراءة على كل شيء .

قبل خلودي إلى النوم قمت أرتب بعض الحاجيات بعد نوم جميع أهل البيت وانتهاء الحفلة وعودة الأطفال إلى منازلهم . نعم صحيح .. كنت قد سرحت بأفكاري وعدت معكم بالحديث إلى الماضي القريب مما أنساني حفلة ابنتي الغالية وضجيج صَحبها و شقاوتهم.

في ظلمة المكان تعثرت بدمية ابنتي فالتقطتها عن الأرض .. مشيت قليلا فوجدته هناك .. بيتها من المكعبات .. يسكن مكانه القصي في إحدى زوايا الحجرة الفسيحة .. ساكنا كحلم و راسخا مثل أمل.. مثل ذكرى أبت إلا أن تزورني اليوم.
ماضيي البعيد عاد ليحتفل معي .. عاد فأحيى آمالي القديمة و أيقظ البراءة داخلي .
غافلتني دمعة حنين وفرت من عيني بلا موعد ولا استئذان.

جلست على حافة الدرج أحضن دميتها الغضة وعيناي تسكنان ذلك الحلم الصغير .
كنت يوما ما في ذلك الزمن البعيد ألعب بدمية مثلها .. وأصنع بيتا من مكعبات ملونة .. واليوم مرت سنوات عمري وكبرت، وسكنت بيتا حقيقيا و أصبحت أما لصغار من دمّي .. عوضا عن دمية.
تجدد حنيني إلى ذلك الماضي النقي الصافي.. اشتقت إلى طفلة بضفائر سود مبعثرة تركض حاملة دميتها .. تلاعبها و تحاكيها و تعيش معها سحر أمومة لم أشعر بها سوى الآن.
قالت لي جدتي يوما :" الأمومة غريزة يخلقها الله داخل كل أنثى .. تكون ساكنه وهادئة وبلا حراك .. لا يحركها إلا نبض الطفل داخل أحشائك . عند ولادته وكأن طوفانا من المشاعر والحنان يتدفق ويتدفق بلا أدنى سيطرة على جريانه .. و لا تعرفين منبعه . جل ما تعرفينه حينها .. هو أن هذا الصغير الذي بين يديك تضمينه وتناغيه .. هو حياتك .. هو الفرح والسعادة .. ومن كل الدنيا لن يحتاج سواك . سيكون هو نقطة ضعفك الوحيدة .. هو فقط .. ومن أجله تهون الدنيا وترخص بكل ما فيها " .
رحمك الله يا جدتي .. لن تعوّضي .

أطفأت أنوار البيت .. وأغلقت النوافذ والأبواب ..
اطمأننت على صغاري وهم نيام .. وطبعت على جبين كل منهم قبلة ..
مضيتُ إلى غرفتي بخطى متثاقلة ..واستلقيت على فراشي ..
أغمضت عينيّ بوهن .. أحضن بين رموشها صورة باهتة المعالم لطفلة صغيرة كانت يوما .. أنا..



*********************


يُتبع ..


* حقوق الأغنية محفوظة للفنان الراحل محمد فوزي

السبت، 4 يونيو 2011

متى سأكبر ؟؟ - قصة قصيرة ( الحلقة التاسعة )






يا دبلــة الخطوبــة


عروس تختال .. بقامة ممشوقة وجمال أخاذ .. باقة أزهار في اليد اليسار قد يحتار رائيها أيهما الأجمل .. هي أم حاملتها .. والكف اليمنى تحتضن كفا تطابقت بالحس والدفء والتقاسيم معها .. طرحة شفافة انسدلت تكاد تخفي خلفها ملامح سعيدة .. عينان تلمعان وفم مبتسم ونظرة حالمة ..

لحظة تساوت فيها خطواتي مع خطوات شريك حياتي.. ومن اختاره عقلي وقلبي لأتقاسم معه مستقبلا قادما بحلاوته وبكل ما فيه .. سرت معه نحو المنصة .
كنت شبه مغيبة عن كل من حولي .. أكاد لا أميز شيئا من ما يحيط بي .. لا الموسيقى ولا الضيوف ولا الوجوه ولا حتى أين أنا ..
كان عقلي مشتتا وغائبا .. كنت كمن شُل تفكيره وتوقف تماما ..  " يا الله .. أنا عروس ؟؟ " ..
أجل عروس ..

بالأمس القريب أنهيت دراستي الجامعية .. كانت من أجمل مراحل عمري الفائت .. عندما نمى إدراكي وصُقِلت شخصيتي وأصبحت لي أهدافي وطموحاتي في هذه الحياة ..
اتسعت دائرة صديقاتي وتطورت شخصيتي وتحولت من مجرد صبية طفلة الجسد وضيقة الأفق .. لفتاة شابة وناضجة ذات فكر متسع ونظرة عميقة لمعظم الأمور .. 
هدأت كثيرا عما كنت عليه سابقا وأنا طفلة ومراهقة .. أصبحت أكثر اتزانا  وأكثر معرفة .. ولكن  لا زلت أعاني من بعض الخجل والحساسية المفرطة في مشاعري .. حاولت كثيرا أن لا  تسيطر علي أو تتمكن من شخصي .. وعبثا حاولت .. أحيانا أفكر بأنها خلقت معي ونمت معي وكبرت معي وتأصلت جذورها داخل روحي وتشعبت و تشعبت حتى أصبحت أنا أخرى داخلي .. تتعبني كثيرا .. وترهق من حولي أيضا عند تعاملهم معي ..

ما زلت أذكر ذلك اليوم الذي خُطبت فيه ..
كم بكيت خائفة ولم أعرف لماذا وما الداعي لكل ذلك البكاء وقتها .. صديقاتي أعزين السبب للمفاجأة أو خوفا من المجهول .. أو أن كلمة زواج وحدها كفيلة ببث الرعب في نفس أي فتاة ؟؟ .. لا أعرف.
كنت كثيرا ما أستمع لأحاديث بعض المتزوجات منهن وخلافاتهن مع أزواجهن .. و فشل بعضهن في تجربتهن الزوجية. كان يتملكني القلق والخوف من هذه التجربة الغامضة و الحياة الجديدة التي ستقبل عليها أي فتاة كُتب لها الزواج يوما .

لم يكن هاجسا بالنسبة لي .. كنت دائما ما أعتبره قرارا اختياريا وليس مصيريا ، على الرغم من كثرة الأقاويل  حولي بأن الفتاة مصيرها بيت زوجها لا محالة . فكنت أعترض بشدة و أدافع عن رأيي بحزم و صرامة ترى فيها صديقاتي عنادا أتصف به.
لم يكن عنادا مثل ما هو قناعة راسخة في داخلي بأن كل شيء كتبه الله لنا كائن لا محالة.

ترددت كثيرا بشأن الموافقة .. بت أقضي الكثير من الوقت أجلس على أرجوحتي أفكر .. و أتأرجح معها بين القبول والرفض .
حتى أتى ذلك المساء الذي كنت فيه مستلقية على فراشي و مشاعري المختلطة تتضارب وتتصارع داخلي .. كنت أجهل كيف أفكر وماذا أقرر .. عندما قرع باب غرفتي .
جاءت إلي تحضنني وتُريح رأسي على صدرها فأشتم رائحة الدفء والعطر لتشعرني بالأمان كعادتها دائما .
جدتي .. رغم شيخوخة جسدها و تيه فكرها بعض الأحيان .. لكن ما يزال قلبها يحمل الدفء وعبق الحب والحنان ذاته اللذين طالما أشعرتني به طيلة حياتي .. تجيء دائما عندما أكون في أمس الحاجة لمن يرشدني لطريق أسلكه ومصير أقرره .. تأتي لتنتشلني من حافة يأسي وضياعي .. وفي حضنها الدافئ أنسى كل شيء .. ويهون كل شيء .. وينجلي كل شيء ..
قالت لي يومها .. " حبيبتي .. مررت بما تشعرين ومرت والدتك به من قبلك .. هو شخص رائع وذي مواصفات تتمناها كل فتاة .. استخيري الله .. وأيا كان قرارك نحن معك ونحبك  .. " ..
 وطبعت قبلتها الحانية على جبيني .. وبكفها الدافئ مسحت دمعتي التي انسكبت على خدي .. وخرجت ..

في صباح اليوم التالي .. كنت قد قررت ..


كان نهارا مليئا بالأحداث والارتباكات ذلك اليوم الذي زارنا فيه خطيبي لأول مرة.
صحوت من نومي على جرس منبهي المزعج .. كبست زر الإيقاف لأسكته.. ثم زرعت وجهي في الوسادة لأعود إلى النوم.. و فجأة.. و كأن السماء انشقت وألقت بمائها البارد فوق رأسي .. و كأن الغيم رمى بسهام برقه نحوي .. و كأن الرعد اختزل كل غضبه فألقاه على سمعي .. قفزت عن سريري كصعقة كهرباء قذفت بي صوب النافذة .
كانت تمطر..
" لا .. لم تكن المرة الأولى التي أشاهد فيها السماء تمطر .. على العكس .. فقد كنت أنتظر الشتاء من عام إلى آخر فقط كي أستمتع بمطر السماء .. ولكن اليوم بدا كل شيء مختلفا.. و كأني أعيشه للمرة الأولى ".
نظرت إلى وجهي في المرآة وهالني المنظر ..
" من أين جاءت هذه الهالة حول عيني ؟؟ .. وما هذا الشعر الجاف .. و ما هذا الوجه الشاحب ؟؟.. يا إلهي .. لا .. ليس اليوم ".
نعم .. هكذا استقبلني الصباح .. أو هكذا استقبلت أنا الصباح .

حالة استنفار عاشها جميع من في البيت ..
قضيت طيلة النهار و أنا أعاني من التشتت الذهني والضياع الزمني ..
بين المرآة و خزانة الملابس و بعثرة الزينة و تصفيف الشعر و أقنعة البشرة .. كنت كالفرس التي تعدو من سهل إلى سهل .. كان كل شيء يسير على خير ما يرام حتى استقبلت تلك المكالمة من صديقتي .. وليتني لم أجب هاتفها .. فبعدها لم يعد أي شيء سهلا كما كان ..

قائمة من النصائح و كم هائل من الإرشادات أثقلت مسامعي بها .. وكأنها تملي علي محاضرة عن أصول الإتيكيت واللباقة الاجتماعية .. و ما أثار حنقي فعلا كانت التوصيات الغريبة عن كيفية التبسم والحديث و التحرك و المشي و حتى كيف أتنفس.. و جميعها تنصَب في قائمة ( الانطباع الأول ) ..
أثارت استيائي فعلا .. فأنا دائما ما كنت عفوية بلا تمثيل ولا حركات مدروسة ..
أبتسم لأني أشعر بحاجتي للابتسام .. و أغضب لأني في حاجة إلى الغضب .. و أتكلم متى أحسست بأني لابد وأن أتكلم .
لم أكن يوما رهينة للتصنع و التكلف أو التقنع وارتداء الزيف.
" كوني كما أنتِ .. فليحبك من يشاء وليكرهك من يشاء " .. شعاري في الحياة .

مرت الساعات على عجل .. حتى حانت لحظة اللقاء ..
بخطوات خجولة و بلعثمة طفلة في أول بوح لها .. مددت يدي لتصافح يده .. ابتسمت وابتسم .. تشابكت الأصابع .. نبض القلب .. و وقع الحب.
كانت ثواني معدودة وهتف قلبي بكل غبطة .. " نعم .. هو من أريد ".
تحدثنا سويا حديثا عابرا .. عبرت معه أزمانا وأزمانا .. وكأن لقاءنا كان منذ أزل بعيد .
كثيرا ما كنت أقرأ عن تعارف الأرواح و تآلفها حين اللقاء حتى أن بعضا من صديقاتي لم يأخذن يوما حديثي على محمل الجد .. بل كن يسخرن من شاعريتي و رومانسيتي الطافحة ..
" أنا فقط أنظر إليه بمنظور روحاني .. فكل شيء يتعلق بالمشاعر و العواطف هو مسألة روحية لا أكثر ولا أقل " .

تريدون الصراحة ؟؟ .. في تلك الليلة لم أنم جيدا ..
قضيت الليل أتقلب على سريري أفكر في ما سيحمله لي المستقبل تارة، و في ما أتخيله تارة أخرى .
اليوم سأواجه واقع هذه الحياة ومعنى المشاركة الزوجية .. بعد سنوات من الإنفراد بكل شيء يخصني .. ما من مشاركة من أي شخص ولا حتى منازعة فيما أملك . أما الآن فقد حَلّ على حياتي نصفا آخر .. إما أن يصبح جزءا من ذاتي أو سيبقى دائما مجرد اسم كما دخل .. سيبقى .
بقيت أنفض عن تفكيري هذه الوساوس والهواجس السلبية لأطمئن نفسي بأن الله قد اختار لي هذا الإنسان وسنوفق حتما طالما وُجد الانسجام و خُلق في أول لقاء لنا معا .. هذا القبول الذي طرحه الله في قلبينا ما هو إلا إشارة إيجابية عن مدى التوافق الذي سيكتمل بيننا .
" غدا .. غدا .. غدا .. متى ستأتي أيها الغد كي أرتاح ويهدأ بالي ؟؟ .. متى ستمضي السنوات لأعرف هل من اخترته زوجا وشريكا سيبقى معي لبقية العمر ؟؟ .. تعال يا بُكرة اشتقت إليك .. " ..
و انبلج نور أول صباح من صباحات الغد ..



*********************
مرت الستة أشهر الماضية كلمح البصر ..
مشاعري نحو خطيبي و محبتنا وعلاقتنا التي ازدادت أواصرها هونت علي الكثير من صعوبات تلك المرحلة التي مررت بها .. و حال بيتنا انقلبت رأسا على عقب .. للأجمل والأحلى والأفضل .
قضيت مجمل تلك الأيام في التجهيز لحفل زفافي والبحث عن القاعة المناسبة لإقامة الاحتفال .
كنت أقضي ساعات النهار في التسوق مع صديقاتي و غالبا مع والدتي و ترافقنا عمتي الغالية. كان لوجودها إلى جانبي في تلك الفترة الحرجة لذة خاصة .. و بالنسبة لي كانت مثالا حيا أستقي منه خبرات جديدة و أتعلم من خلالها كيفية استغلال الوقت و تجييره إلى صالحي .. حتى لا تنقضي الأيام عجلى دون أن أقضي جميع مستلزماتي .

تزوجت عمتي قبل عشر سنوات .. كنت أرافقها للتسوق و قضاء الكثير من حاجياتها .. فكانت دائما تردد على مسامعي عبارة " وجهك خيرا علي " .. ولم أكن أعرف السبب .. ثم لا حقا أخبرتني بأني عندما أكون برفقتها تسير أمورها بيسر و سهولة .. و تماما كما تريد هي.
" تفاءلت بي .. و اليوم أتفاءل بها " .
افتقدتها كثيرا .. غادرت البيت تاركة خلفها حاجياتها و ذكرياتي معها .. غادرت جدران حجرتها التي مافتئت تئن من اشتياقها لها كما يئن قلبي بعد غيابها .. و كما غادَرَت سأغادر أنا .. قريبا .

جاءني يوما أخي .. من كان وحشا بشريا في يوم من الأيام .. وقد أخفى خلف ظهره شيئا ما .. طبع على خدي قبلة .. وأعطاني هدية .. قال لي افتحيها عندما أخرج .. وقبل أن يغلق باب الغرفة استدار نحوي وقال : " في بيتنا عروس " وغمز بعينه لي وابتسم .. وأقفل الباب وراح ..
فتحت الهدية .. سلسال جميل ورائع محفور عليه اسمي ومرصع بالألماس .. أتعرفون بم كانت مغلفة ؟؟ بذلك القماش الأسود الذي كان يلفه حول عينيه مقلدا سلاحف النينجا .. قبل سنوات من الآن .. عندما كنا صغارا نتعارك بالأيدي .. فرق بين اليوم والأمس .. اليوم صار أخي و صديقي وسندا لي في هذه الحياة.
ارتديت السلسال.. وقفت أمام مرآتي أتأمله .. عندما انهمرت دمعاتي من عيناي ولمعت على خداي .. لمعة الألماس على  نحري .. وبكيت .

آخر ليلة أنام فيها على فراشي .. كل شيء في غرفتي مبعثر .. حقائبي وملابسي و أشيائي .. كل شيء .
تمددت على فراشي وأخذت أتأمل جدران غرفتي .. هذه الجدران التي احتوتني واحتضنت أيامي وأخفت أسراري وراقبتني في دخولي و خروجي .
 صوري .. خزانتي .. أوراقي .. أقلامي .. حاسوبي الشخصي .. طفولتي .. نضجي .. صباحي ومسائي .. مرضي و صحتي .. بكائي وفرحي .. عمرا بأكمله ..
 سأترك كل هذا وأرحل عن هنا لأبدأ حياة أخرى ومستقبلا آخر ومرحلة أخرى مع نصفي الآخر.. أتمنى أن أكون معه سعيدة.

وصلنا إلى المنصة .. وخزه خفيفة أحسستها بكفي .. عندما نبهني شريكي كي نقف .. استفقت من أفكاري على ابتسامته الرقيقة ونظراته المليئة بالحب .. واقفا بجانبي .. تحتضنني عينيه وروحه .. شعرت حينها بأن كل الدنيا ملكي .. أنا وحدي ..

أبي وأمي و أخي ، جدتي وعمتي .. جميعهم إلى جانبي .. ألمح في أعينهم دموع الفرح .. وعلى شفاهم بارقة السعادة  وأنا أحضنهم بكل الحب .. عندما سطع ضوء الفلاش ... 

والتقط قلبي صورة.



*****************************************

يُتبع ..

* حقوق الأغنية محفوظة للفنانة شادية

الجمعة، 27 مايو 2011

متى سأكبر ؟؟ - قصة قصيرة ( الحلقة الثامنة )



" آوه .. ها قد عدتم .. لا أرجوكم لا رغبة عندي الآن بأي شيء  .. صدقوني لا أحب الحديث عن نفسي في هذه المرحلة و هذا الوقت بالذات .. فأنا مشغولة الآن بوضع قناع مغذي على بشرة وجهي .
حسنا .. لا بأس ..كما تريدون .. سأحكي لكم بعضا من ملامح حياتي بشكل مختصر.. لاحقا ستعرفون لماذا. فقط أمهلوني بعض الوقت .. سأذهب لأغسل وجهي و أزيل هذا القناع .. فلم يعد له أي فائدة ..
فاصل .. ونواصل ".




نقيلي أحلى زهرة يا فراشة نقيلي*




...عدنا ..

سأحدثكم و أنا أقوم بترتيب ثيابي في الخزانة قبل أن أنام. عادتي كل مساء .. نتسلى سويا لبعض الوقت أنا وأنتم .. ما رأيكم ؟؟ .
أتعلمون ؟؟ .. بعض ثيابي باتت ضيقة عليّ ولا بد لي من التخلص منها فلم تعد مناسبة ..لقد كبرت كثيرا..طالت قامتي وأصبحت أكثر أنوثة . و الحقيقة فإن أكثر ما يزعجني في شكلي هو تناثر البثور على وجهي .. وليس هذا فقط بل صار أنفي أكثر تورما .بصراحة أرى نفسي قبيحة للغاية .. حتى أقنعة البشرة ليس باستطاعتها أن تخفف من حدة البثور هذه.
الجميع يقول بأني أصبحت أكثر حساسية وسريعة التأثر وأميل إلى الوحدة .. ليس صحيحا البتة .. فكل ما هنالك هو أني أحب الهدوء و زادت نسبة خجلي قليلا .
لي عالمي الخاص .. غرفتي، قصصي، كتبي، صديقاتي .. أفكاري و أحلامي .. عالمي الآخر بكل ما فيه.

حديقة منزلنا أجد فيها ملاذي وتوحدي مع الطبيعة بين الأزهار و التمدد تحت ظل الأشجار لأراقب السماء و ندف الغيوم.
أبقى هناك أتأملها و هي تتشكل بأشكال مختلفة .. تارة تبدو كوجه باسم .. و تارة تبدو كرسم فراشة .. و كثيرا ما تغدو كنجمة في وضح النهار.
أعشق مداعبة النسيم لأغصان الشجر، فتتحرك وريقاتها لتنهمر على الأرض كشلال نهر.
" شاعرة أنا .. صحيح ؟؟ .. من يعرف .. قد يحدث يوما ما !! ".

أحب البقاء في غرفتي والتمرن على وضع المكياج .. فأمي وفت بوعدها الذي وعدتني عندما كنت طفلة .. واشترت لي أدوات الزينة التي لطالما حلمت بها .. حقيقة لا أضع الكثير من الأصباغ على وجهي لإحساسي بأني مهما فعلت لن أتمكن من إخفاء هذه البثور أو أخفف من تورم أنفي ..
بالأمس قالت لي جدتي بأن الفتاة لها سبعة أوجه .. وفي كل مرحلة عمرية تتغير ملامحها كالزهرة تماما .. تكون برعما صغيرا بلا رائحة .. ثم تنمو شيئا فشيئا حتى تتفتح وتصبح جميلة وزكية الرائحة .. آآآه كم تمنيت أن أنمو سريعا كالزهرة لتختفي البثور ويأخذ أنفي شكله النهائي ..

جدتي ؟؟ .. نعم أمد الله في عمرها كانت معي هنا قبل مجيئكم وفتحكم هذه الصفحة من حياتي.
تقدم بها العمر كثيرا وأصبحت تستحضر الماضي دائما وتحن إلى طفولتها وشبابها وأنا أستغرب كيف لها أن تحن لوقت كانت فيه تشبهني !! .. مجرد فتاة خجولة و ذات وجه مليء بالبثور وصاحبة أنف منتفخ ؟؟.
جدتي مازالت تتأمل شعري ورأسي .. و حتى يومي هذا لا أستطيع كشف السر الذي بات يؤرق مضجعي فعلا .. ماذا به شعري يا ترى ؟؟ ..

حتى الآن أبي يدللني ويقول بأني فتاته الجميلة .. وأراه كثيرا يتأملني ويهمس لأمي قائلا : " لن أزوجها .. ستبقى إلى جانبي وأدللها " .. فتجيبه أمي : " كيف لن تزوجها ؟؟ ألا تود رؤية أطفالها يوما ما و تسمع كلمة جدي ؟؟ لا .. سأزوج ابنتي وأفرح بها .. عسى الله أن يسعدها ويوفقها .. ولكن أولا يجب أن تكمل دراستها ".
"عجبا عجبا .. أراهما يتشوقان لرؤيتي عروس .. وأنا اشك بأني سأتزوج أساسا .. فمن يريد الزواج بفتاة ذات أنف متورم ؟؟".
أعرف ..صار أنفي مشكلتي وشغلي الشاغل .. أصبح عقدة حياتي .. أسأل الله أن يفكني منها ..

ما هذا ؟؟ .. من أين جاءت مجلة السيارات هذه إلى غرفتي ؟؟ .. امممم .. لابد وأنه أخي كعادته يلقي بها أينما شاء ..
أخي .. أخي .. آآه من هذا الوحش الذي لا يمل من عراكي ..ولا يمل من التفاخر بطول قامته الغريب وهيئة جسمه العجيبة التي بدت عليه .. وهذا الوجه المليء بالبثور .. حتى هو لم ينج منها .. وصوته .. هو ليس صوتا كبقية الأصوات .. إنه أشبه بصوت فرامل السيارات عندما تقف بشكل مفاجئ .. وضحكته عندما يضحكها يخيّل إلي بأن دراكولا خرج من كتب الأساطير وزارنا في بيتنا ، ضحكته مرعبة فعلا .
وأكثر ما يؤلمني هو فرض رجولته علي .. يتلذذ دائما بقول .. " أنا رجل وأنت بنت ".
يُسمح له بأشياء ممنوعة أنا عنها.. فأنا مثلا لابد و أن ألتزم بمواعيد العودة إلى المنزل أينما كنت خارجه .. أما هو فله مطلق الحرية في العودة ساعة يشاء . سألت أمي مرة بهذا الشأن .. فأجابتني : " هناك قوانين وعادات يفرضها علينا المجتمع لابد لنا من الالتزام بها .. و أنتِ من عائلة محترمة ومن غير اللائق تواجدك خارج البيت حتى ساعة متأخرة من المساء " .
بقيت أفكر كثيرا تلك الليلة بكلماتها و حقيقة لم أقتنع برأيها .. أنا من عائلة محترمة .. و أخي هو أخي .. إذن هو أيضا من عائلة محترمة .. ألا يعني هذا بأن ما يجري علي من قوانين لابد وأن تجري عليه أيضا ؟؟ .. أو أن ما يحق للرجل لا يحق للمرأة ؟؟ .
أو أنها إحدى الإجابات عن سؤال أرّق مخدع أحلام أولى سنوات العمر .. و متاهة من موانع باغتتني و ضِعت في منحنياتها و شعابها .. و قيود ألجمتني و أسرتني بحرفين فقط !! ..
تُرى .. هل هي تلك الــ كِخْ بمرادفات أخرى ؟؟ .. ربما ..

في أحد الأيام كنت أمر من أمام حجرته فرأيته يقف عند النافذة وقد ارتسمت على محياه ابتسامة عريضة .. استغربت طريقة وقوفه .. فذهبت مسرعة إلى غرفة والداي لأستكشف ما ينظر إليه .. فوجدته يتحدث مع صديقه الواقف على رصيف الشارع بصوت عالي ويضحك ضحكته المرعبة .. هو لا يعرف بأن ضحكته وحدها تجعل النمل يختبئ في جحوره من شدة الفزع.
يفخر هو ببرعم رجولته .. فيما أنا أخجل من البثور المتناثرة على جبهتي .. رُحماك يا الله ..

دعونا من الحديث عن أخي .. ولأحدثكم عن الليل ..
يجذبني سكون المساء و غموضه.
كثيرا ما أجلس وحدي في حجرتي لأستمع لبعض الموسيقى الهادئة و أفتح ستار نافذتي لأسمح للقمر بزيارتي .. و أبقى معه ساهرة أرسم في مخيلتي رسما لفتاة أتمنى أن أكونها عندما أكبر .
أخبرتني عمتي أن هذه الحالة .. اسمها " أحلام يقظة " .كل خوفي أن أستسلم لهذه الأحلام حتى أصل إلى مرحلة لا أكاد معها أن أفرق بين الواقع و الخيال.." ها ها ها .. يا لغرابتي " .

عمتي هذه الإنسانة التي دائما ما تحاول التقرب مني أكثر من أي وقت مضى .. وعبثا ما كانت تحاول .. ليس لسبب سلبي .. بل لأنها في الأساس قريبة مني.
أعتبرها شقيقة وصديقة لي .. نتسامر كثيرا وندردش كثيرا و نضحك عاليا عندما تكون إحدانا برفقة الأخرى . هي مستودعا لأسراري و صداقتها ملجئي .
أمي عندما تراني شاردة الذهن قليلا أو أمكث مطولا في غرفتي تسألني فيما إذا كنت أواجه مشكلة معينة أو أشكو من أي عارض صحي .. تقلق كثيرا و لا أجد لقلقها مبررا و يبدو في غير محله ..
" يا ماما .. ليس عندي ما أخفيه .. كل ما هناك هو شعوري بأني يرقة تختبئ داخل شرنقتها بكل هدوء و خجل حتى تصحو ذات يوم و قد غدت فراشة ملونة تسحر الألباب " .
قد تطول الليالي و تطول معها رحلة عقارب الساعة حتى تنجلي ظلمة هذا المساء قبل أن تشرق شمس عمر جديد .. سأنتظره بفارغ الصبر .

أمسياتي هذه التي أحدثكم عنها يطول فيها سهري حتى ساعة متأخرة من الليل أقضيها بقراءة رواية رومانسية أو مشاهدة فيلم أجنبي ، وكثيرا ما يكون عاطفيا أو من أفلام الرعب .
صديقاتي يعلقن على ذوقي الذي يناقض بعضه بشأن نوعية الأفلام التي أشاهدها بقولهن : " قمة التناقض بين الرعب وبين الحب .. كيف باستطاعتك الجمع بينهما في مزاج واحد ؟؟ ".
ليس بالضرورة أن ما أشاهده لابد وأن يطابق بعضه بعضا أو أن يسير وفق منوال واحد لا يتغير .. ثم في ذروة الشعور بالرعب تكمن العاطفة والحنان .. ففي أي مشهد مرعب لابد وأن تكون هناك الأم التي تحتضن طفلها لتحميه .. أو رجلا يدافع عن امرأة ويحيطها برعايته و قد يفديها بروحه .. و مع كل قطرة دم تنزف يولد قلبا جديدا ينبض بالحب .. إن الحب والرعب يكملان بعضهما بعضا .. بشكل أو بآخر .

حسنا .. لقد فرغت من ترتيب خزانتي وثيابي و نعست كثيرا..حان وقت نومي الآن..
أستميحكم عذرا لقصر حديثي في هذه المرحلة فكما أخبرتكم سلفا لا أحب الحديث عنها فهي في نظري مرحلة مقتطعة من عمري .
لكن سأطلعكم على شيء أعرفه جيدا وأعيه جيدا جدا ..
ما أمر به الآن ما هو إلا مرحلة انتقالية من عالم الطفولة إلى عالم أكثر نضج وتوازن .. لكني تعبت من حساسيتي الزائدة وخجلي وبكائي السريع من أبسط موقف أمر به .
يا إلهي .. متى سأنتهي من كل هذا ؟؟.
كم أود لو أغمض عيناي وأفتحهما فأراني أكثر جمالا وأكثر مرحا .. ويتأكد أخي بأني كبرت ويكف عن مضايقتي.
وأيضا أتمنى أن تختفي هذه البثور عن وجهي .. وأن ينتهي هذا التورم في أنفي .


هل أدركتم الآن في أي مرحلة عمرية أنا ؟؟ .
" نعم .. صحيح .. أنا الآن مراهقة أبلغ من العمر خمسة عشر عاما .. مراهقة تتمنى أن تمضي الأيام سريعة لتكبر ..
.. تصبحون على خير .. أو صباح الخير ؟؟ .. لايهم " .



" بالمناسبة .. متى سأكبر ؟؟ "


******************************


يُتبع ..

* حقوق الأغنية محفوظة للفنان اللبناني الراحل زكي ناصيف
 

الجمعة، 20 مايو 2011

متى سأكبر ؟؟ - قصة قصيرة ( الحلقة السابعة )







* طيري يا عصفورة .. أنا متلك حلوة صغيورة
الجزء الثاني





حال عودتنا من المدرسة أعدو مسرعة إلى غرفتي لأقوم بحل واجباتي و استذكار دروسي .. فيما ينصرف أخي إلى اللعب و متابعة التلفاز .

سأخبركم بسر صغير .. ذات يوم عدت من المدرسة وأنا حزينة وسعيدة في ذات الوقت ..

حزينة لأن معلمتي قبضت علي بالجرم المشهود .. شاهدتني وأنا أدُسّ رأسي في درج منضدتي و ألتهم قالب الشوكولاته الذي اشتريته من المقصف .. فانتشلته مني وهي غاضبة وتتوعد وتهدد بأن تقلص من درجاتي الفصلية ..كم شعرت بالكره نحوها في تلك اللحظة .
لم تدم كراهيتي لها غير سويعات من الزمن .. ففي نهاية اليوم الدراسي  رأيتها تنزلق وتقع في أحد الممرات أثناء سيرها.. كم ضحكت عليها.. وكم أحسست بعدها بتأنيب الضمير. " يا لي من فتاة شريرة " ..
حسنا أنا لا أكره معلماتي فجميعهن طيبات ولطيفات ويلصقن على جبيني النجوم والصور عندما أدرس باجتهاد .

بعد استذكار دروسي جيدا والانتهاء منها أخرج إلى الحديقة لألعب وأتأرجح قليلا ..
أحب الأرجوحة .. فمعها أشعر بأني عصفورة تطير و تغرد فوق السحاب.
" عصفورة .. عصفورة " .. ولحقت بها لأمسكها قبل أن تطير ..
أعشق تربية الحيوانات .. هوايتي وميولي و جُل اهتماماتي .. رغم أن محاولاتي لاقتناء بعضها كثيرا ما تبوء بالفشل.
في عصر أحد الأيام كنت ألعب بجانب الشجرة فرأيت نملة صغيرة تمشي وحدها .. فأمسكت بها سريعا ووضعتها داخل صندوق صغير و أغلقته عليها و قفلت عائدة إلى داخل البيت لأحضر بعض السكر.
عدت إلى نملتي .. بحثت عنها كثيرا ولم أعثر عليها .. هربت أكيد و ضاعت وسط زحام العشب.

ذات يوم أهداني أبي هرة صغيرة.. كانت هدية جميلة جدا انتظرتها بلهفة طفلة ترقب يوم عيد مولدها .
كل يوم يمر .. تكبر فيه قطتي وتكبر معها محبتي لها وللحيوانات جميعا .. حتى أنه وفي فترة من الفترات امتلأت حديقة بيتنا بالقطط .. حتى فاق عددهم خمسة وعشرين قطا .. ومعظمهم من الشارع.
لا يهم .. الأهم هو المتعة التي أشعرها وأنا أدللهم وألاعبهم و أطعمهم .
في يوم قريب .. سمعت أمي تقول لصديقتها " اثنان يصدقان في محبتهما للإنسان منا لا يخدعان ولا ينافقان .. ولن يكذبا .. الطفل  و الحيوان.. كلاهما يشعران بمن يحبهما بصدق وسيبادلانه الحب بحب وصدق و وفاء بلا مصالح و لا غاية ، حب نقي خالي من الشوائب " .
ستبقى كلماتها تلك معي إلى أبد الدهر .

أحيانا أشارك أخي اللعب بالكرة .. و رغما عني ..
أخي ؟؟ .. لا .. بل الوحش الكاسر .. فدائما نتشاجر ..
في إحدى المرات و فيما كنت منهمكة بالتلوين جاء هذا الوحش ودون سابق إنذار ضربني على رأسي و فر هاربا .. لحقت به راكضة وشعري يتطاير في كل اتجاه وأنا أقذف بأقلام التلوين على ظهره الضئيل .. فدلف مسرعا إلى غرفته وأغلق الباب .. دقائق معدودة وأدرت أكره الباب ففتحته .. مددت رأسي نحو الداخل بكل توجس وحذر فرأيته يقف في ركن الغرفة رابطا حول خصره حبلا متآكلا محاولة منه لتقليد أبطال الكاراتيه .. ويلف حول عينيه عصابة سوداء وعيناه الصغيرتان تظهران من خلف فتحات ممزقه بطريقة مضحكة فبدا شكله كسلاحف النينجا ..
 "مهلا مهلا .. لقد رأيت قطعة القماش السوداء هذه من قبل .. آها .. لقد تذكرت .. كنت أفرشها كسجادة لبيت الدمى الخاص بي وافتقدتها منذ أسبوع .. إذا أنت من استولى عليها .. حسنا سترى ما أنا فاعلة "..
كان ما يزال واقفا في ذلك الركن متحفزا لبدء جولة مصارعة عنيفة معي .. فما كان مني إلا أن تقدمت بخطى واثقة وملامح الثبات ترتسم على وجهي رغم أن قلبي كان يرجف .. ويتملكني إحساسا عارما بالفزع والخوف من حدوث أي حركة مباغتة منه  فأخرج من غرفته وأنا منهكة القوى و الكدمات والجروح تملآن وجهي، وفاقدة لبضع أزرار من ثوبي  وأنتعل بإحدى رجلي حذائي والآخر أكون قد أضعته في مكان ما في تلك الغرفة المرعبة ..
تقدمت قليلا نحو تلك القلعة أو الشيء الأشبه بالقلعة .. الذي صنعه من علب البيبسي الفارغة .. وبطرف إصبعي ضغطت على إحداها فانهارت جميعها وتساوت مع الأرض .
خرجت مسرعة من غرفته وهو منبطح هناك ويصيح  بمليء فيه :" لااااا" في حالة انهيار عصبي مؤقت.. عاد بعدها للانتقام مني .
كثيرا ما أشعر بالملل من الدمى التي أملكها فأذهب إلى حجرة عمتي لألعب معها قليلا.
كنت أحيانا أجدها منهمكة بالكتابة فتناولني ورقة و قلما لأرسم لها شيئا .. أي شيء يخطر على بالي في ساعتها ولو كان مجرد خربشات .
فتأخذها و تلصقها على الحائط  تصاحبها قبلة على خدي تقول لي : " أحلى رسمة في الدنيا " .
و لا أعلم حقيقة إن كانت فعلا خربشاتي أحلى رسمة أم تشجيعها لي أحلى مزحة ..
كنت يوما أشاهد حلقة من مسلسل الرسوم المتحركة الذي أتابعه يوميا وهمست في أذنها : " عندما أكبر سأتزوجه " .. قصدت بطل القصة . فأجلستني ملاصقة لها و قالت لي : " يا حبيبتي هذا فيلم كرتون .. يقومون برسمه وتلوينه كما ترسمين أنتِ رسوماتك الجميلة .. هو ليس حقيقيا ولا هو إنسانا مثلنا " .
استصعب علي فهم ما قالته .. بل صُدمت حقا بهذه الحقيقة التي أبدا لم انتظر سماعها ..
" فيلم كرتون ؟؟ .. رسم بالقلم والألوان ؟؟ .. هو ليس فارس أحلامي ؟؟ .. ليس إنسانا مثلنا ؟؟ .. مجرد رسم ؟؟ " .
وكانت الضربة القاضية لعاطفتي و مشاعري المولودة حديثا نحو هذا الرسم المتحرك .. كانت صفعة على وجه التلفاز .. وأول صدمة في حياتي .

في المساء وقبل النوم لابد لي أنا وأخي من بعض جولات المصارعة الحرة.. سلاحي فيها الوسائد وسلاحه العضلات .. هي ليست عضلات بمعنى عضلات تلك التي يملكها ضخام الأجساد .. لا يا أصدقائي .. بل هي بروز عظمي لزندين يشكوان ضآلته ..
أقذفه بوسادة فيلوي ذراعي .. أقذفه بأخرى فتصيب رأسه أو بطنه .. ويصيبني بسيل من اللكمات .
وفي مرة أصاب عيني فصرخت باكية من الألم . جاء أبي لاستطلاع الأمر، فوبخنا و هددنا بحرماننا من نزهة آخر الأسبوع .. وفعلا تم الحرمان .

أفكر كثيرا في هذا النوع من السياسة المتبعة لمعاقبتنا .. سياسة الحرمان .
" تُرى .. هل ستستمر على مدى السنوات القادمة و نُحرم من أشيائنا المفضلة ؟؟ .. أم هي سياسة مؤقتة حتى يتم تقويمنا بشكل إيجابي وصحيح  لتمر طفولتنا على خير وسلام ؟؟ " ..
لا أعرف !! ..
كل ما أعرفه الآن بأني عندما أكبر سأكون قوية كفاية لأقدر على لكم أخي و تعليمه درسا لن ينساه .

" متى سأكبر ؟؟ " .


*************************************
يُتبع ..

حقوق الأغنية محفوظة للمطربة اللبنانية ماجدة الرومي*

الجمعة، 13 مايو 2011

متى سأكبر ؟؟ - قصة قصيرة ( الحلقة السادسة )


هل أنتم هنا ؟؟ .. أهلا أهلا .. حسنا انتظروني قليلا .. عندي مهمة صعبة جدا لابد و أن انتهي منها .. لحظة من فضلكم ، سأعود حالا ".









*طيري يا عصفورة .. أنا متلك حلوة صغيورة
الجزء الأول


ها قد عدت إليكم من جديد .. أعتذر عن الوقت المستقطع بسبب انشغالي بالانتقام من الوحش الكاسر الذي قام باقتلاع يد دميتي الصغيرة .. فكانت تجب علي معاقبته .. امممم .. رحت لأنتقم .. فعدت بخفي حنين و بعض الخدوش .. لا يهم .
تتساءلون كيف أنا اليوم .. صحيح ؟؟ !! ..

عمري الآن سبع سنوات .. وأنا في الصف الأول الابتدائي .. لقد كبرت قليلا وطالت قامتي .. وطبعا لم أعد أملك بضع شعيرات فقد طال شعري وأصبحت أتفنن في رفعه وتسريحه وتجديله بمساعدة أمي .. لدي غرفة نوم جميلة وألعاب كثيرة ودمى رائعة أمارس عليها أمومتي الطفولية .
في المدرسة لدي الكثير من الصديقات .. فأنا محبوبة وطالبة مجتهدة .. لكن خجولة بعض الشيء و عنيدة جدا ..

أحب كثيرا قصص الأميرات و مشاهدة الرسوم المتحركة التي تحكي حكاياتهم .. فأنا أملك الكثير منها .
فساتين، أحذية .. حقائب وإكسسوارات تخص البنات في مثل عمري .
أحب أن أتزين مثلهم لأبدو كأميرة من خيال.
حتى أطباقي و كؤوسي التي أشرب بها الماء والحليب والعصير عليها رسومات من وحي الرسوم المتحركة .
ذات يوم كنت في المطبخ أريد أن أسكب لنفسي بعض الطعام في طبق صغير عليه رسومات سندريلا .. فوقع الطبق وتناثر الطعام على أرضية المطبخ .. فركضت مسرعة نحو جدتي لتحميني من توبيخ أمي .. نعم جدتي .. لا تزال تمسح على جبيني وتقبّل رأسي .. ولا أعرف ما هو السر الذي يشدها نحو رأسي هذا لتقبله .. أحيانا أتخيل بأنها تنوي نزع بضع شعيرات من رأسي لتلصقها في رأسها لأن شعرها أبيض .. وكثيرا ما كنت أتأملها فأراها تتنهد بعمق وتتمتم ببضع كلمات لا أعرف مقصدها .. ولا أعرف لم تقولها أساسا .. تقول " ليتني أعود طفلة " .. فأسألها لِم تقولين ذلك ؟؟ .. فتجيبني : " عندما تكبرين وتصبحين في عمري ستعرفين " ..
يا الله .. حتى معرفة هذا السر سيتطلب مني أن أعيش عمرين فوق عمري لأكشفه .

في بعض الأحيان تفتقدني أمي فتبحث عني في أرجاء البيت .. وأخيرا تجدني في غرفتها أرتدي حذاءها ذي الكعب العالي وعلى وجهي أصباغ حمراء وخضراء .. فتجرني من يدي و تُقحم وجهي البريء تحت صنبور المياه وتشطف عنه ألوان قوس قزح وتقول لي : " لازلت صغيرة ..غدا عندما تكبرين قليلا سوف أشتري لك أدوات زينة حقيقية لتتزيني بها "..
عندما أكبر .. عندما أكبر .. يا إلهي متى سأكبر وأحقق جميع أحلامي وأنجز كل مشاريعي المؤجلة إلى غدٍ آخر ..
حسنا لا داعي للامتعاض .. فكثيرا ما ألجأ إلى عمتي التي تسمح لي باستخدام أحمر الشفاه كما عودتني منذ كنت صغيرة أحبو.

في الصباح الباكر أستيقظ بلا إثارة للمتاعب، فأغسل وجهي و أتناول إفطاري، و مع كل وجبة إفطار أثرثر كثيرا و أحكي كثيرا فينقضي الوقت سريعا جدا فيما لا يزال أخي يرتدي ملابسه على مهل. وأحيانا أكون أنا المشاغبة و بسببي نتأخر عن موعد المدرسة.
صعبة المراس أنا أثناء تسريح شعري .. في بعض الأحيان أطلب من أمي جديلة واحدة فقط، و أحيانا جديلتين، و كثيرا ما أحبذه متطايرا بلا ترتيب .." أنا الآن في عمر إثبات الذات و تكوين الشخصية .. و لهذا أنا آمر و أنهي و أفرض رأيي على الجميع " .

أثناء مشوارنا الصباحي نحو المدرسة يصادفنا ذلك البيت .. في زاوية شارع هادئ .. ونرى صبيا صغيرا قد يكبرني في العمر ببضع سنوات يقف مع شقيقته على الرصيف في انتظار الباص .
في إحدى المرات أوقف أبي السيارة بجانب الرصيف و هتف على الصبي مناديا، فاستجاب للنداء.
أخذ أبي يتحدث معه قليلا و سأله عن اسمه و اسم شقيقته و مدرسته و عمره .. الخ ..
فيما كنت أنا أموت خجلا.
قد تكون هذه التجربة من أول المواقف التي تواجهني مع الجنس الآخر.. و أول ارتباك في حياتي.
في اليوم التالي .. كنت اجلس في المقعد الخلفي فيما كان أخي بجانب والدي في المقعد الأمامي للسيارة .. عندما مررنا من جانب البيت.. مرورا سريعا و على عجل لم أتمكن خلاله من رؤية هذا الصبي ولا حتى شقيقته .. لماذا ؟؟ ..
كنت قد اختبأت عنه وحشرت نفسي بين المقعد الأمامي والخلفي حتى لا أراه ولا يراني ..و لماذا ؟؟ ..
لأنها المرة الأولى التي استشعرت فيها حياء الأنثى داخلي.
أعادني هذا الموقف لعام مضى .. كنت في الصف التمهيدي .. عندما قام زميلي بطلب يدي للزواج.
لم أقبل ولم أرفض .. فقط التزمت الصمت .



********************


يُتبع ..

*حقوق الأغنية محفوظة للفنانة ماجدة الرومي

الجمعة، 6 مايو 2011

متى سأكبر ؟؟ - قصة قصيرة ( الحلقة الخامسة )




*تاتا .. حبة حبة
الجزء الثالث




بعد بلوغي العام والنصف من عمري المديد .. صارت حصيلتي اللغوية وفيرة نوعا ما .. رغم عدم قدرتي على النطق بشكل جيد إلا أنه صار باستطاعتي التعبير عن ما أريده بكلمات قصيرة تفي بالغرض .

ذات يوم وأثناء تجوالي في حديقة المنزل برفقة أخي ( الوحش الكاسر ) و مجموعة من أصدقائه الصغار لمحت طائرا يقف على غصن شجرة صغيرة بالقرب مني . لم أعرف ما هو بالضبط لكن هيئته تختلف كثيرا عن الطائر الذي يغرد بجوار نافذتي كل صباح.. أقتربت منه قليلا لأستطلع أمره ثم سرعان ما رفرف بجناحيه و حلق عاليا عندما جاء أخي وصرخ صرخته المعتادة فيهرب منه الجميع .. حتى أنا .
 " أفّووول " .. حسبته عصفور .
كانت أمي تجلس على الأرجوحة عندما نادت على من حلق عاليا وقالت " تعالي يا فراشة .. تعالي " .
" آآآته " .. عرفتها فراشة ..
جاءتني لتحملني معها وتجلسني على الأرجوحة  ثم راحت تغني " نملة صغيرة حلوة كتير .. دوما دوما على بكير .. بتفيق تجمع أكل كتير .. حنطة و برغل عدس شعير .. أما الصرصار يا ستار .. عم يغني ليل نهار .. بكرة في فصل الأمطار .. يبقى من كسله محتار .. إما يروح لعند الجار .. أو يموت و ياكله الفار .. هَممم " ..
لا أملك أمام هذه الأغنية سوى أن أصفق بيدي الاثنتين وأحلق عاليا مع أرجوحتي .. كتلك الفراشة البعيدة التي ترسم بأجنحتها لوحة زاهية الألوان ويركض خلفها أخي مع أصدقائه فتأبى أن يمسكوا بها .
" تُرى .. ما هو السر في ركضهم خلف من ترفضهم ؟؟ .. " .. هو سؤال آخر من الأسئلة التي تركت إجابتها للأيام .

بمناسبة الركض .. منذ بضعة أيام اشترت لي أمي صندلا صيفيا، أو قد يكون خُفا خفيفا أقرب ما يكون للجورب، لا يمكنني الجزم بهويته، ولكن أجمل ما فيه كان هذا الصوت الصادر عنه عندما أمشي أو أركض .. فعندما تدوس قدمي على الأرض يُصدر حذائي صوتا أشبه ما يكون بزمور السيارة .
صار لركضي معنى آخر و له موسيقى جميلة أعزف سيمفونياتها مع كل خطوة . لا يهم الإزعاج الذي أسببه للمحيطين بي لأن ما يعنيني حقا هو افتعال الإزعاج في حد ذاته .
و لكن مشكلتي التي أواجهها عندما أرتدي هذا الزمور هو كشفه لدائرة وجودي .
بمعنى أنه بات يكشف لأهلي خط سيري و منطقة عبوري ويفضح صمتي المباغت. فعندما يصلهم صوت هذا الزمور يدركون أن كل شيء يسير على ما يرام .. بينما عندما يخفت صوته يعرفون بأني بَعُدت عن مجال رؤيتهم .. و عندما يسكت فجأة يتأكدون بأني عثرت على شيء ما و هو في الطريق إلى مغارة فمي .
أدركت الآن فقط بأن لكل اختراع ايجابيات وسلبيات. و هذا من الدروس الأولى التي تعلمتها الآن .

بالأمس رافقت أبي و أمي و أخي إلى محل الألعاب.
لاحظت بأن لأخي مطلق الحرية في اختيار ألعابه، فقد امتلأت عربة التسوق بالكثير من السيارات الملونة والمختلفة الأحجام ، و من الكرات أشكالا و ألوان. أما أنا فلم يُفسح لي المجال لأختار.
كنت أجلس في مقدمة العربة مأخوذة بتأمل هذه الأرفف الشاهقة الارتفاع و ما تحويه من الألعاب المتنوعة بينما كانت العربة تمتلئ بألعاب أخي واحدة تلو أخرى .. أما أنا فقد اختارت لي أمي مكعبات بلاستيكية الصنع و كبيرة الحجم عندما سألها أخي : " إنها كبيرة جدا لماذا ؟؟ " .. فأجابته أمي : " حتى لا تبلعها ".
" حتى لا أبلعها ؟؟ " .. صار بلعي للفتافيت والخيوط وبعض النمل هاجسا لهم جميعا .. العجيب في الموضوع إما أن يكونوا هم .. أو أكون أنا العجب العُجاب.
هنا يكمن سؤالا آخر .." لماذا له حرية الاختيار، و أنا علي فُرض الخَيار ؟؟ .. هل بسبب صِغر سني ؟؟ .. أتمنى .." ..

في ذلك المساء  وقبل أن تحين ساعة نومنا أنا وأخي كنت أجول في أنحاء البيت عندما كانت جدتي تجلس على مقعدها و تشاهد ما يسمى ( تلفاز ) .. مشيت قليلا نحوه .. ثم وقفت .
صرت أتأمل هؤلاء الأشخاص الملونين خلف الحاجز الزجاجي .. وضعت يدي عليهم ولم ألمسهم .. لم أستطع .. شيئا ما دفعني أكثر نحوه ورحت أضرب عليه بشدة علّه يُفتح و يخرج منه هذا الكم من البشر أمثالنا .
" كيف تمكنوا من الدخول إلى هناك فيما أنا هنا أقف عاجزة عن التواجد معهم ؟؟ " .. سألت نفسي هذا السؤال مرارا وتكرارا في كل مرة أشاهد رسما متحركا أو ألوانا تشع من خلاله .
مددت رأسي قليلا لأرى ما هو كائن خلف هذا الجهاز .. مشيت خطوة .. خطوتين حتى وقفت خلفه تماما .. صوبت عيناي باتجاه تلك الحفر الصغيرة فقد يكون بإمكاني لمح أحدهم بشكل أو بآخر .. استقبلتني رائحة الكهرباء و إضاءات  خافتة  ووميض غريب لا أعرف مصدره . أثناء محاولة استكشافي للموضوع شعرت بيد أحدهم تنتشلني من مكاني وكالعادة تسبقها كلمة ( كِخ ) ..


" جدتي يا جدتي .. لا تخافي علي إلى هذا الحد .. أنا الآن في مرحلة الاستكشاف و التعرف .. دعيني أكشف هذه الألغاز التي تحيط بي و أضع حدا لكثرتها .. كل ما أردت معرفته هو كيف ادخل في هذا الجهاز .. فقط لا غير .. ثم لابد لي من التحلي ببعض الجرأة .. لا أعلم ما سيواجهني من مواقف في مستقبلي القادم .. أريد التدرب على مواجهة الصعب من الآن .. أو سأقضي بقية عمري خائفة !! .." .
أجلستني في حِجرها وراحت تقبلني وتمسح على شعري كعادتها التي باتت تحيرني فعلا .

جاء وقت النوم الآن ..
وضعتني أمي على السرير حتى تنتهي من تحضير أخي للنوم ..
وكعادتهما كل مساء، عراك وجدال بسبب غسل الأسنان و شرب الحليب و وجوب النوم المبكر للاستيقاظ باكرا واللحاق بالمدرسة .. وأنا في سريري الصغير ألعب بدميتي و في رأسي ألف سؤال .

" لماذا ألعب بدمية ذات شعر متطاير و مكعبات بلاستيكية بينما أخي يلعب بسيارة ؟؟ .. و لماذا يجب علي شرب الحليب قبل النوم ؟؟ .. ولماذا جدتي تمسح على شعري في كل مرة أكون معها ؟؟ .. والأهم .. ما معنى كلمة ( كِخ ) .. ؟؟ " .

غدا سأكبر و ستنجلي كل الأسرار ..
" متى سأكبر ؟؟ " .




****************************

يُتبع ..

* حقوق الأغنية محفوظة للفنانة المصرية الراحلة فاطمة النبوية الشهيرة بــ أحلام

الجمعة، 29 أبريل 2011

متى سأكبر ؟؟ - قصة قصيرة ( الحلقة الرابعة )




تاتا .. حبة حبة*
الجزء الثاني







أخي العزيز يحبني كثيرا أعرف ذلك جيدا ، لكن طريقته في التعبير عن محبته عنيفة و ذكورية جدا .. فهو يحملني بقوة ويُقبلني بعنف حتى يكاد خداي يتقطعان من تقبيله ثم يطرحني أرضا بسرعة خاطفة قبل أن يجيء أبي فيوبخه لحمله لي . أخي ما يزال صغير السن ، يكبرني بثلاث سنوات فقط ، وخطر علي أن يرعاني أو يحملني فهو أيضا بحاجة لمن يرعاه و يوجهه .
أحيانا كثيرة أشاركه اللعب بسياراته و ألعابه، لكنه سرعان ما يسلبني حق اللعب معه فيحملها بعيدا عني ويذهب بها إلى غرفته ، وأبقى أنا وحدي أمارس هوايتي في التقاط الأشياء عن الأرض و إخفائها في فمي .. و أشعر بذروة السعادة عندما أتمكن من بلعها دون أن يلحظني أحد .

كثيرا ما تشاركني عمتي اللعب و المرح ، أحيانا تسمح لي بأن أرافقها إلى غرفتها أو كما أحب أن ألقبها ( الكنز ) .
نعم .. هي كنزا بالنسبة لي .. بجدرانها الزاهية  و صوري أنا وأخي التي زينتها بها .. والدمى الصغيرة و الشموع التي تناثرت في الأركان .
ما يلفت نظري في حجرتها هو هذه الطاولة التي سكنت في الزاوية .. طاولة بيضاء صغيرة نسبيا تناثرت فوقها الأوراق والتي ما أن أبعثرها على الأرض حتى تضحك عاليا و تقول لي " فداكِ كل أوراقي " .. يا الله كم تحبني عمتي .
سأطلعكم على سر صغير .. هي تسمح لي بأن أشاركها أحمر الشفاه .أجل .. فهي تصبغ شفاهي به فأغدو أجمل طفلة رأتها عيناها ، هكذا تقول لي دوما . عمتي قد تكون مفتاحي لعالم الأنثى بكل أسراره و تفاصيله .. فحجرتها بوابتي إلى هذا العالم الكبير .

أما جدتي فحدث ولا حرج .. أجدها تبالغ كثيرا في تدليلي حتى بت أخشى على نفسي من أن يؤثر ذلك على شخصيتي عندما أكبر رغم استمتاعي بهذا الدلال وسعادتي به .
عندما أُطل عليها بوجهي الصغير وملامحي البريئة حتى أرى الفرح يبرق في عينيها و تحملني إلى صدرها فتغرقني بحنانها و عطفها ألاّ متناهيان . كل ما أطلبه تلبيه لي .. وكل ما أريده أراه حاضرا دائما .. لم تقل لي " لا " قط .. حتى عصاها التي تتوكأ عليها صارت أداة لهو ولعبة في يدي .
عندما تحاول أن تمنعني عن أي شيء قد يكون مصدر خطر علي كل ما أفعله هو رسم الحزن على ملامحي وتمثيل البكاء حتى أجدها سرعان ما تلبي رغبتي وتقول لي " لا ، لا تبكي يا حفيدتي الحبيبة .. هيا خذي هذا " ..
 و ما أجمل أن أمتلك ما أريد .. و يا لذة الانتصار .

بالأمس فقط تمكنت من المشي بضع خطوات قصيرة ثم وقعت أرضا ..
كان إنجازا بالنسبة لي عندما وجدت نفسي وقد أفلتُ يداي الاثنتين من طرف المقعد وخطوت أولى خطواتي .. شعرت بأن الأرض بعيدة و واسعة جدا .. وأنا كالأرنب الوليد في أول قفزة له .
إنجازا عززه أهلي عندما هتف الجميع بصوت واحد " شاطرة " ثم علا تصفيقهم و احتل كل مساحات الصوت حولي .
لمحت سعادتهم بي وغبطتهم وسرورهم بإنجازي العظيم هذا حتى صرت أشك بأني على أعتاب المشاركة في سباق ركض قادم لا محالة .
لم أدرك حينها بان هذه الخطوة ما هي إلا بداية لخطوات أصعب و مشوار طويل ابتدأته للتو .
الذي استغربه حقا هو انخراط أخي في الضحك أثناء وقوفي لأبادر بالمشي .. وعندما تسأله جدتي عن سبب هذه النوبة المفاجئة من الضحك يقول لها : " ها ها ها .. إنها كالبطريق " .
تساءلت مرارا عن ماهية هذا البطريق حتى جاء ذلك اليوم الذي كنت فيه أشاهد برنامجا عن عالم الحيوان .. ورأيت هذا المدعو بطريق .
طائر أسود غريب الهيئة ويمشي بشكل يتمايل فيه نحو اليمين ثم اليسار و .. .. .." امممم .. فعلا أبدو كالبطريق .. لا يهم .. اليوم أنا كبطريق .. غدا أمشي كالغزال .. كونوا على الموعد " .
ولن يكون مشيي كمشي الغزال فقط ، بل حتى بصري سيكون كبصر  الصقر .. فقد صار مجال الرؤية عندي أوسع وأكثر شمولية لما يحيط بي .. و قدرتي على الإفلات من أي عوائق قد تعترض اكتشافاتي صارت أكثر سهولة و يسر .
 لا يهم عدد المرات التي وقعت فيها على الأرض ..
ولا يهم عدم التوازن في المشي بعد ..
و لا يهم كم الكدمات و الرضوض التي أتعرض لها يوميا بسبب سقطاتي المتكررة ..
الأهم هو أني أخيرا .. قد مشيت .

************************************

يُتبع ..

* حقوق الأغنية محفوظة للفنانة المصرية الراحلة فاطمة النبوية الشهيرة بــ أحلام