" آوه .. ها قد عدتم .. لا أرجوكم لا رغبة عندي الآن بأي شيء .. صدقوني لا أحب الحديث عن نفسي في هذه المرحلة و هذا الوقت بالذات .. فأنا مشغولة الآن بوضع قناع مغذي على بشرة وجهي .
حسنا .. لا بأس ..كما تريدون .. سأحكي لكم بعضا من ملامح حياتي بشكل مختصر.. لاحقا ستعرفون لماذا. فقط أمهلوني بعض الوقت .. سأذهب لأغسل وجهي و أزيل هذا القناع .. فلم يعد له أي فائدة ..
فاصل .. ونواصل ".
نقيلي أحلى زهرة يا فراشة نقيلي*
...عدنا ..
سأحدثكم و أنا أقوم بترتيب ثيابي في الخزانة قبل أن أنام. عادتي كل مساء .. نتسلى سويا لبعض الوقت أنا وأنتم .. ما رأيكم ؟؟ .
أتعلمون ؟؟ .. بعض ثيابي باتت ضيقة عليّ ولا بد لي من التخلص منها فلم تعد مناسبة ..لقد كبرت كثيرا..طالت قامتي وأصبحت أكثر أنوثة . و الحقيقة فإن أكثر ما يزعجني في شكلي هو تناثر البثور على وجهي .. وليس هذا فقط بل صار أنفي أكثر تورما .بصراحة أرى نفسي قبيحة للغاية .. حتى أقنعة البشرة ليس باستطاعتها أن تخفف من حدة البثور هذه.
الجميع يقول بأني أصبحت أكثر حساسية وسريعة التأثر وأميل إلى الوحدة .. ليس صحيحا البتة .. فكل ما هنالك هو أني أحب الهدوء و زادت نسبة خجلي قليلا .
لي عالمي الخاص .. غرفتي، قصصي، كتبي، صديقاتي .. أفكاري و أحلامي .. عالمي الآخر بكل ما فيه.
حديقة منزلنا أجد فيها ملاذي وتوحدي مع الطبيعة بين الأزهار و التمدد تحت ظل الأشجار لأراقب السماء و ندف الغيوم.
أبقى هناك أتأملها و هي تتشكل بأشكال مختلفة .. تارة تبدو كوجه باسم .. و تارة تبدو كرسم فراشة .. و كثيرا ما تغدو كنجمة في وضح النهار.
أعشق مداعبة النسيم لأغصان الشجر، فتتحرك وريقاتها لتنهمر على الأرض كشلال نهر.
" شاعرة أنا .. صحيح ؟؟ .. من يعرف .. قد يحدث يوما ما !! ".
أحب البقاء في غرفتي والتمرن على وضع المكياج .. فأمي وفت بوعدها الذي وعدتني عندما كنت طفلة .. واشترت لي أدوات الزينة التي لطالما حلمت بها .. حقيقة لا أضع الكثير من الأصباغ على وجهي لإحساسي بأني مهما فعلت لن أتمكن من إخفاء هذه البثور أو أخفف من تورم أنفي ..
بالأمس قالت لي جدتي بأن الفتاة لها سبعة أوجه .. وفي كل مرحلة عمرية تتغير ملامحها كالزهرة تماما .. تكون برعما صغيرا بلا رائحة .. ثم تنمو شيئا فشيئا حتى تتفتح وتصبح جميلة وزكية الرائحة .. آآآه كم تمنيت أن أنمو سريعا كالزهرة لتختفي البثور ويأخذ أنفي شكله النهائي ..
جدتي ؟؟ .. نعم أمد الله في عمرها كانت معي هنا قبل مجيئكم وفتحكم هذه الصفحة من حياتي.
تقدم بها العمر كثيرا وأصبحت تستحضر الماضي دائما وتحن إلى طفولتها وشبابها وأنا أستغرب كيف لها أن تحن لوقت كانت فيه تشبهني !! .. مجرد فتاة خجولة و ذات وجه مليء بالبثور وصاحبة أنف منتفخ ؟؟.
جدتي مازالت تتأمل شعري ورأسي .. و حتى يومي هذا لا أستطيع كشف السر الذي بات يؤرق مضجعي فعلا .. ماذا به شعري يا ترى ؟؟ ..
حتى الآن أبي يدللني ويقول بأني فتاته الجميلة .. وأراه كثيرا يتأملني ويهمس لأمي قائلا : " لن أزوجها .. ستبقى إلى جانبي وأدللها " .. فتجيبه أمي : " كيف لن تزوجها ؟؟ ألا تود رؤية أطفالها يوما ما و تسمع كلمة جدي ؟؟ لا .. سأزوج ابنتي وأفرح بها .. عسى الله أن يسعدها ويوفقها .. ولكن أولا يجب أن تكمل دراستها ".
"عجبا عجبا .. أراهما يتشوقان لرؤيتي عروس .. وأنا اشك بأني سأتزوج أساسا .. فمن يريد الزواج بفتاة ذات أنف متورم ؟؟".
أعرف ..صار أنفي مشكلتي وشغلي الشاغل .. أصبح عقدة حياتي .. أسأل الله أن يفكني منها ..
ما هذا ؟؟ .. من أين جاءت مجلة السيارات هذه إلى غرفتي ؟؟ .. امممم .. لابد وأنه أخي كعادته يلقي بها أينما شاء ..
أخي .. أخي .. آآه من هذا الوحش الذي لا يمل من عراكي ..ولا يمل من التفاخر بطول قامته الغريب وهيئة جسمه العجيبة التي بدت عليه .. وهذا الوجه المليء بالبثور .. حتى هو لم ينج منها .. وصوته .. هو ليس صوتا كبقية الأصوات .. إنه أشبه بصوت فرامل السيارات عندما تقف بشكل مفاجئ .. وضحكته عندما يضحكها يخيّل إلي بأن دراكولا خرج من كتب الأساطير وزارنا في بيتنا ، ضحكته مرعبة فعلا .
وأكثر ما يؤلمني هو فرض رجولته علي .. يتلذذ دائما بقول .. " أنا رجل وأنت بنت ".
يُسمح له بأشياء ممنوعة أنا عنها.. فأنا مثلا لابد و أن ألتزم بمواعيد العودة إلى المنزل أينما كنت خارجه .. أما هو فله مطلق الحرية في العودة ساعة يشاء . سألت أمي مرة بهذا الشأن .. فأجابتني : " هناك قوانين وعادات يفرضها علينا المجتمع لابد لنا من الالتزام بها .. و أنتِ من عائلة محترمة ومن غير اللائق تواجدك خارج البيت حتى ساعة متأخرة من المساء " .
بقيت أفكر كثيرا تلك الليلة بكلماتها و حقيقة لم أقتنع برأيها .. أنا من عائلة محترمة .. و أخي هو أخي .. إذن هو أيضا من عائلة محترمة .. ألا يعني هذا بأن ما يجري علي من قوانين لابد وأن تجري عليه أيضا ؟؟ .. أو أن ما يحق للرجل لا يحق للمرأة ؟؟ .
أو أنها إحدى الإجابات عن سؤال أرّق مخدع أحلام أولى سنوات العمر .. و متاهة من موانع باغتتني و ضِعت في منحنياتها و شعابها .. و قيود ألجمتني و أسرتني بحرفين فقط !! ..
تُرى .. هل هي تلك الــ كِخْ بمرادفات أخرى ؟؟ .. ربما ..
في أحد الأيام كنت أمر من أمام حجرته فرأيته يقف عند النافذة وقد ارتسمت على محياه ابتسامة عريضة .. استغربت طريقة وقوفه .. فذهبت مسرعة إلى غرفة والداي لأستكشف ما ينظر إليه .. فوجدته يتحدث مع صديقه الواقف على رصيف الشارع بصوت عالي ويضحك ضحكته المرعبة .. هو لا يعرف بأن ضحكته وحدها تجعل النمل يختبئ في جحوره من شدة الفزع.
يفخر هو ببرعم رجولته .. فيما أنا أخجل من البثور المتناثرة على جبهتي .. رُحماك يا الله ..
دعونا من الحديث عن أخي .. ولأحدثكم عن الليل ..
يجذبني سكون المساء و غموضه.
كثيرا ما أجلس وحدي في حجرتي لأستمع لبعض الموسيقى الهادئة و أفتح ستار نافذتي لأسمح للقمر بزيارتي .. و أبقى معه ساهرة أرسم في مخيلتي رسما لفتاة أتمنى أن أكونها عندما أكبر .
أخبرتني عمتي أن هذه الحالة .. اسمها " أحلام يقظة " .كل خوفي أن أستسلم لهذه الأحلام حتى أصل إلى مرحلة لا أكاد معها أن أفرق بين الواقع و الخيال.." ها ها ها .. يا لغرابتي " .
عمتي هذه الإنسانة التي دائما ما تحاول التقرب مني أكثر من أي وقت مضى .. وعبثا ما كانت تحاول .. ليس لسبب سلبي .. بل لأنها في الأساس قريبة مني.
أعتبرها شقيقة وصديقة لي .. نتسامر كثيرا وندردش كثيرا و نضحك عاليا عندما تكون إحدانا برفقة الأخرى . هي مستودعا لأسراري و صداقتها ملجئي .
أمي عندما تراني شاردة الذهن قليلا أو أمكث مطولا في غرفتي تسألني فيما إذا كنت أواجه مشكلة معينة أو أشكو من أي عارض صحي .. تقلق كثيرا و لا أجد لقلقها مبررا و يبدو في غير محله ..
" يا ماما .. ليس عندي ما أخفيه .. كل ما هناك هو شعوري بأني يرقة تختبئ داخل شرنقتها بكل هدوء و خجل حتى تصحو ذات يوم و قد غدت فراشة ملونة تسحر الألباب " .
قد تطول الليالي و تطول معها رحلة عقارب الساعة حتى تنجلي ظلمة هذا المساء قبل أن تشرق شمس عمر جديد .. سأنتظره بفارغ الصبر .
أمسياتي هذه التي أحدثكم عنها يطول فيها سهري حتى ساعة متأخرة من الليل أقضيها بقراءة رواية رومانسية أو مشاهدة فيلم أجنبي ، وكثيرا ما يكون عاطفيا أو من أفلام الرعب .
صديقاتي يعلقن على ذوقي الذي يناقض بعضه بشأن نوعية الأفلام التي أشاهدها بقولهن : " قمة التناقض بين الرعب وبين الحب .. كيف باستطاعتك الجمع بينهما في مزاج واحد ؟؟ ".
ليس بالضرورة أن ما أشاهده لابد وأن يطابق بعضه بعضا أو أن يسير وفق منوال واحد لا يتغير .. ثم في ذروة الشعور بالرعب تكمن العاطفة والحنان .. ففي أي مشهد مرعب لابد وأن تكون هناك الأم التي تحتضن طفلها لتحميه .. أو رجلا يدافع عن امرأة ويحيطها برعايته و قد يفديها بروحه .. و مع كل قطرة دم تنزف يولد قلبا جديدا ينبض بالحب .. إن الحب والرعب يكملان بعضهما بعضا .. بشكل أو بآخر .
حسنا .. لقد فرغت من ترتيب خزانتي وثيابي و نعست كثيرا..حان وقت نومي الآن..
أستميحكم عذرا لقصر حديثي في هذه المرحلة فكما أخبرتكم سلفا لا أحب الحديث عنها فهي في نظري مرحلة مقتطعة من عمري .
لكن سأطلعكم على شيء أعرفه جيدا وأعيه جيدا جدا ..
ما أمر به الآن ما هو إلا مرحلة انتقالية من عالم الطفولة إلى عالم أكثر نضج وتوازن .. لكني تعبت من حساسيتي الزائدة وخجلي وبكائي السريع من أبسط موقف أمر به .
يا إلهي .. متى سأنتهي من كل هذا ؟؟.
كم أود لو أغمض عيناي وأفتحهما فأراني أكثر جمالا وأكثر مرحا .. ويتأكد أخي بأني كبرت ويكف عن مضايقتي.
وأيضا أتمنى أن تختفي هذه البثور عن وجهي .. وأن ينتهي هذا التورم في أنفي .
هل أدركتم الآن في أي مرحلة عمرية أنا ؟؟ .
" نعم .. صحيح .. أنا الآن مراهقة أبلغ من العمر خمسة عشر عاما .. مراهقة تتمنى أن تمضي الأيام سريعة لتكبر ..
.. تصبحون على خير .. أو صباح الخير ؟؟ .. لايهم " .
" بالمناسبة .. متى سأكبر ؟؟ "
******************************
يُتبع ..
* حقوق الأغنية محفوظة للفنان اللبناني الراحل زكي ناصيف
...عدنا ..
سأحدثكم و أنا أقوم بترتيب ثيابي في الخزانة قبل أن أنام. عادتي كل مساء .. نتسلى سويا لبعض الوقت أنا وأنتم .. ما رأيكم ؟؟ .
أتعلمون ؟؟ .. بعض ثيابي باتت ضيقة عليّ ولا بد لي من التخلص منها فلم تعد مناسبة ..لقد كبرت كثيرا..طالت قامتي وأصبحت أكثر أنوثة . و الحقيقة فإن أكثر ما يزعجني في شكلي هو تناثر البثور على وجهي .. وليس هذا فقط بل صار أنفي أكثر تورما .بصراحة أرى نفسي قبيحة للغاية .. حتى أقنعة البشرة ليس باستطاعتها أن تخفف من حدة البثور هذه.
الجميع يقول بأني أصبحت أكثر حساسية وسريعة التأثر وأميل إلى الوحدة .. ليس صحيحا البتة .. فكل ما هنالك هو أني أحب الهدوء و زادت نسبة خجلي قليلا .
لي عالمي الخاص .. غرفتي، قصصي، كتبي، صديقاتي .. أفكاري و أحلامي .. عالمي الآخر بكل ما فيه.
حديقة منزلنا أجد فيها ملاذي وتوحدي مع الطبيعة بين الأزهار و التمدد تحت ظل الأشجار لأراقب السماء و ندف الغيوم.
أبقى هناك أتأملها و هي تتشكل بأشكال مختلفة .. تارة تبدو كوجه باسم .. و تارة تبدو كرسم فراشة .. و كثيرا ما تغدو كنجمة في وضح النهار.
أعشق مداعبة النسيم لأغصان الشجر، فتتحرك وريقاتها لتنهمر على الأرض كشلال نهر.
" شاعرة أنا .. صحيح ؟؟ .. من يعرف .. قد يحدث يوما ما !! ".
أحب البقاء في غرفتي والتمرن على وضع المكياج .. فأمي وفت بوعدها الذي وعدتني عندما كنت طفلة .. واشترت لي أدوات الزينة التي لطالما حلمت بها .. حقيقة لا أضع الكثير من الأصباغ على وجهي لإحساسي بأني مهما فعلت لن أتمكن من إخفاء هذه البثور أو أخفف من تورم أنفي ..
بالأمس قالت لي جدتي بأن الفتاة لها سبعة أوجه .. وفي كل مرحلة عمرية تتغير ملامحها كالزهرة تماما .. تكون برعما صغيرا بلا رائحة .. ثم تنمو شيئا فشيئا حتى تتفتح وتصبح جميلة وزكية الرائحة .. آآآه كم تمنيت أن أنمو سريعا كالزهرة لتختفي البثور ويأخذ أنفي شكله النهائي ..
جدتي ؟؟ .. نعم أمد الله في عمرها كانت معي هنا قبل مجيئكم وفتحكم هذه الصفحة من حياتي.
تقدم بها العمر كثيرا وأصبحت تستحضر الماضي دائما وتحن إلى طفولتها وشبابها وأنا أستغرب كيف لها أن تحن لوقت كانت فيه تشبهني !! .. مجرد فتاة خجولة و ذات وجه مليء بالبثور وصاحبة أنف منتفخ ؟؟.
جدتي مازالت تتأمل شعري ورأسي .. و حتى يومي هذا لا أستطيع كشف السر الذي بات يؤرق مضجعي فعلا .. ماذا به شعري يا ترى ؟؟ ..
حتى الآن أبي يدللني ويقول بأني فتاته الجميلة .. وأراه كثيرا يتأملني ويهمس لأمي قائلا : " لن أزوجها .. ستبقى إلى جانبي وأدللها " .. فتجيبه أمي : " كيف لن تزوجها ؟؟ ألا تود رؤية أطفالها يوما ما و تسمع كلمة جدي ؟؟ لا .. سأزوج ابنتي وأفرح بها .. عسى الله أن يسعدها ويوفقها .. ولكن أولا يجب أن تكمل دراستها ".
"عجبا عجبا .. أراهما يتشوقان لرؤيتي عروس .. وأنا اشك بأني سأتزوج أساسا .. فمن يريد الزواج بفتاة ذات أنف متورم ؟؟".
أعرف ..صار أنفي مشكلتي وشغلي الشاغل .. أصبح عقدة حياتي .. أسأل الله أن يفكني منها ..
ما هذا ؟؟ .. من أين جاءت مجلة السيارات هذه إلى غرفتي ؟؟ .. امممم .. لابد وأنه أخي كعادته يلقي بها أينما شاء ..
أخي .. أخي .. آآه من هذا الوحش الذي لا يمل من عراكي ..ولا يمل من التفاخر بطول قامته الغريب وهيئة جسمه العجيبة التي بدت عليه .. وهذا الوجه المليء بالبثور .. حتى هو لم ينج منها .. وصوته .. هو ليس صوتا كبقية الأصوات .. إنه أشبه بصوت فرامل السيارات عندما تقف بشكل مفاجئ .. وضحكته عندما يضحكها يخيّل إلي بأن دراكولا خرج من كتب الأساطير وزارنا في بيتنا ، ضحكته مرعبة فعلا .
وأكثر ما يؤلمني هو فرض رجولته علي .. يتلذذ دائما بقول .. " أنا رجل وأنت بنت ".
يُسمح له بأشياء ممنوعة أنا عنها.. فأنا مثلا لابد و أن ألتزم بمواعيد العودة إلى المنزل أينما كنت خارجه .. أما هو فله مطلق الحرية في العودة ساعة يشاء . سألت أمي مرة بهذا الشأن .. فأجابتني : " هناك قوانين وعادات يفرضها علينا المجتمع لابد لنا من الالتزام بها .. و أنتِ من عائلة محترمة ومن غير اللائق تواجدك خارج البيت حتى ساعة متأخرة من المساء " .
بقيت أفكر كثيرا تلك الليلة بكلماتها و حقيقة لم أقتنع برأيها .. أنا من عائلة محترمة .. و أخي هو أخي .. إذن هو أيضا من عائلة محترمة .. ألا يعني هذا بأن ما يجري علي من قوانين لابد وأن تجري عليه أيضا ؟؟ .. أو أن ما يحق للرجل لا يحق للمرأة ؟؟ .
أو أنها إحدى الإجابات عن سؤال أرّق مخدع أحلام أولى سنوات العمر .. و متاهة من موانع باغتتني و ضِعت في منحنياتها و شعابها .. و قيود ألجمتني و أسرتني بحرفين فقط !! ..
تُرى .. هل هي تلك الــ كِخْ بمرادفات أخرى ؟؟ .. ربما ..
في أحد الأيام كنت أمر من أمام حجرته فرأيته يقف عند النافذة وقد ارتسمت على محياه ابتسامة عريضة .. استغربت طريقة وقوفه .. فذهبت مسرعة إلى غرفة والداي لأستكشف ما ينظر إليه .. فوجدته يتحدث مع صديقه الواقف على رصيف الشارع بصوت عالي ويضحك ضحكته المرعبة .. هو لا يعرف بأن ضحكته وحدها تجعل النمل يختبئ في جحوره من شدة الفزع.
يفخر هو ببرعم رجولته .. فيما أنا أخجل من البثور المتناثرة على جبهتي .. رُحماك يا الله ..
دعونا من الحديث عن أخي .. ولأحدثكم عن الليل ..
يجذبني سكون المساء و غموضه.
كثيرا ما أجلس وحدي في حجرتي لأستمع لبعض الموسيقى الهادئة و أفتح ستار نافذتي لأسمح للقمر بزيارتي .. و أبقى معه ساهرة أرسم في مخيلتي رسما لفتاة أتمنى أن أكونها عندما أكبر .
أخبرتني عمتي أن هذه الحالة .. اسمها " أحلام يقظة " .كل خوفي أن أستسلم لهذه الأحلام حتى أصل إلى مرحلة لا أكاد معها أن أفرق بين الواقع و الخيال.." ها ها ها .. يا لغرابتي " .
عمتي هذه الإنسانة التي دائما ما تحاول التقرب مني أكثر من أي وقت مضى .. وعبثا ما كانت تحاول .. ليس لسبب سلبي .. بل لأنها في الأساس قريبة مني.
أعتبرها شقيقة وصديقة لي .. نتسامر كثيرا وندردش كثيرا و نضحك عاليا عندما تكون إحدانا برفقة الأخرى . هي مستودعا لأسراري و صداقتها ملجئي .
أمي عندما تراني شاردة الذهن قليلا أو أمكث مطولا في غرفتي تسألني فيما إذا كنت أواجه مشكلة معينة أو أشكو من أي عارض صحي .. تقلق كثيرا و لا أجد لقلقها مبررا و يبدو في غير محله ..
" يا ماما .. ليس عندي ما أخفيه .. كل ما هناك هو شعوري بأني يرقة تختبئ داخل شرنقتها بكل هدوء و خجل حتى تصحو ذات يوم و قد غدت فراشة ملونة تسحر الألباب " .
قد تطول الليالي و تطول معها رحلة عقارب الساعة حتى تنجلي ظلمة هذا المساء قبل أن تشرق شمس عمر جديد .. سأنتظره بفارغ الصبر .
أمسياتي هذه التي أحدثكم عنها يطول فيها سهري حتى ساعة متأخرة من الليل أقضيها بقراءة رواية رومانسية أو مشاهدة فيلم أجنبي ، وكثيرا ما يكون عاطفيا أو من أفلام الرعب .
صديقاتي يعلقن على ذوقي الذي يناقض بعضه بشأن نوعية الأفلام التي أشاهدها بقولهن : " قمة التناقض بين الرعب وبين الحب .. كيف باستطاعتك الجمع بينهما في مزاج واحد ؟؟ ".
ليس بالضرورة أن ما أشاهده لابد وأن يطابق بعضه بعضا أو أن يسير وفق منوال واحد لا يتغير .. ثم في ذروة الشعور بالرعب تكمن العاطفة والحنان .. ففي أي مشهد مرعب لابد وأن تكون هناك الأم التي تحتضن طفلها لتحميه .. أو رجلا يدافع عن امرأة ويحيطها برعايته و قد يفديها بروحه .. و مع كل قطرة دم تنزف يولد قلبا جديدا ينبض بالحب .. إن الحب والرعب يكملان بعضهما بعضا .. بشكل أو بآخر .
حسنا .. لقد فرغت من ترتيب خزانتي وثيابي و نعست كثيرا..حان وقت نومي الآن..
أستميحكم عذرا لقصر حديثي في هذه المرحلة فكما أخبرتكم سلفا لا أحب الحديث عنها فهي في نظري مرحلة مقتطعة من عمري .
لكن سأطلعكم على شيء أعرفه جيدا وأعيه جيدا جدا ..
ما أمر به الآن ما هو إلا مرحلة انتقالية من عالم الطفولة إلى عالم أكثر نضج وتوازن .. لكني تعبت من حساسيتي الزائدة وخجلي وبكائي السريع من أبسط موقف أمر به .
يا إلهي .. متى سأنتهي من كل هذا ؟؟.
كم أود لو أغمض عيناي وأفتحهما فأراني أكثر جمالا وأكثر مرحا .. ويتأكد أخي بأني كبرت ويكف عن مضايقتي.
وأيضا أتمنى أن تختفي هذه البثور عن وجهي .. وأن ينتهي هذا التورم في أنفي .
هل أدركتم الآن في أي مرحلة عمرية أنا ؟؟ .
" نعم .. صحيح .. أنا الآن مراهقة أبلغ من العمر خمسة عشر عاما .. مراهقة تتمنى أن تمضي الأيام سريعة لتكبر ..
.. تصبحون على خير .. أو صباح الخير ؟؟ .. لايهم " .
" بالمناسبة .. متى سأكبر ؟؟ "
******************************
يُتبع ..
* حقوق الأغنية محفوظة للفنان اللبناني الراحل زكي ناصيف