الجمعة، 27 مايو 2011

متى سأكبر ؟؟ - قصة قصيرة ( الحلقة الثامنة )



" آوه .. ها قد عدتم .. لا أرجوكم لا رغبة عندي الآن بأي شيء  .. صدقوني لا أحب الحديث عن نفسي في هذه المرحلة و هذا الوقت بالذات .. فأنا مشغولة الآن بوضع قناع مغذي على بشرة وجهي .
حسنا .. لا بأس ..كما تريدون .. سأحكي لكم بعضا من ملامح حياتي بشكل مختصر.. لاحقا ستعرفون لماذا. فقط أمهلوني بعض الوقت .. سأذهب لأغسل وجهي و أزيل هذا القناع .. فلم يعد له أي فائدة ..
فاصل .. ونواصل ".




نقيلي أحلى زهرة يا فراشة نقيلي*




...عدنا ..

سأحدثكم و أنا أقوم بترتيب ثيابي في الخزانة قبل أن أنام. عادتي كل مساء .. نتسلى سويا لبعض الوقت أنا وأنتم .. ما رأيكم ؟؟ .
أتعلمون ؟؟ .. بعض ثيابي باتت ضيقة عليّ ولا بد لي من التخلص منها فلم تعد مناسبة ..لقد كبرت كثيرا..طالت قامتي وأصبحت أكثر أنوثة . و الحقيقة فإن أكثر ما يزعجني في شكلي هو تناثر البثور على وجهي .. وليس هذا فقط بل صار أنفي أكثر تورما .بصراحة أرى نفسي قبيحة للغاية .. حتى أقنعة البشرة ليس باستطاعتها أن تخفف من حدة البثور هذه.
الجميع يقول بأني أصبحت أكثر حساسية وسريعة التأثر وأميل إلى الوحدة .. ليس صحيحا البتة .. فكل ما هنالك هو أني أحب الهدوء و زادت نسبة خجلي قليلا .
لي عالمي الخاص .. غرفتي، قصصي، كتبي، صديقاتي .. أفكاري و أحلامي .. عالمي الآخر بكل ما فيه.

حديقة منزلنا أجد فيها ملاذي وتوحدي مع الطبيعة بين الأزهار و التمدد تحت ظل الأشجار لأراقب السماء و ندف الغيوم.
أبقى هناك أتأملها و هي تتشكل بأشكال مختلفة .. تارة تبدو كوجه باسم .. و تارة تبدو كرسم فراشة .. و كثيرا ما تغدو كنجمة في وضح النهار.
أعشق مداعبة النسيم لأغصان الشجر، فتتحرك وريقاتها لتنهمر على الأرض كشلال نهر.
" شاعرة أنا .. صحيح ؟؟ .. من يعرف .. قد يحدث يوما ما !! ".

أحب البقاء في غرفتي والتمرن على وضع المكياج .. فأمي وفت بوعدها الذي وعدتني عندما كنت طفلة .. واشترت لي أدوات الزينة التي لطالما حلمت بها .. حقيقة لا أضع الكثير من الأصباغ على وجهي لإحساسي بأني مهما فعلت لن أتمكن من إخفاء هذه البثور أو أخفف من تورم أنفي ..
بالأمس قالت لي جدتي بأن الفتاة لها سبعة أوجه .. وفي كل مرحلة عمرية تتغير ملامحها كالزهرة تماما .. تكون برعما صغيرا بلا رائحة .. ثم تنمو شيئا فشيئا حتى تتفتح وتصبح جميلة وزكية الرائحة .. آآآه كم تمنيت أن أنمو سريعا كالزهرة لتختفي البثور ويأخذ أنفي شكله النهائي ..

جدتي ؟؟ .. نعم أمد الله في عمرها كانت معي هنا قبل مجيئكم وفتحكم هذه الصفحة من حياتي.
تقدم بها العمر كثيرا وأصبحت تستحضر الماضي دائما وتحن إلى طفولتها وشبابها وأنا أستغرب كيف لها أن تحن لوقت كانت فيه تشبهني !! .. مجرد فتاة خجولة و ذات وجه مليء بالبثور وصاحبة أنف منتفخ ؟؟.
جدتي مازالت تتأمل شعري ورأسي .. و حتى يومي هذا لا أستطيع كشف السر الذي بات يؤرق مضجعي فعلا .. ماذا به شعري يا ترى ؟؟ ..

حتى الآن أبي يدللني ويقول بأني فتاته الجميلة .. وأراه كثيرا يتأملني ويهمس لأمي قائلا : " لن أزوجها .. ستبقى إلى جانبي وأدللها " .. فتجيبه أمي : " كيف لن تزوجها ؟؟ ألا تود رؤية أطفالها يوما ما و تسمع كلمة جدي ؟؟ لا .. سأزوج ابنتي وأفرح بها .. عسى الله أن يسعدها ويوفقها .. ولكن أولا يجب أن تكمل دراستها ".
"عجبا عجبا .. أراهما يتشوقان لرؤيتي عروس .. وأنا اشك بأني سأتزوج أساسا .. فمن يريد الزواج بفتاة ذات أنف متورم ؟؟".
أعرف ..صار أنفي مشكلتي وشغلي الشاغل .. أصبح عقدة حياتي .. أسأل الله أن يفكني منها ..

ما هذا ؟؟ .. من أين جاءت مجلة السيارات هذه إلى غرفتي ؟؟ .. امممم .. لابد وأنه أخي كعادته يلقي بها أينما شاء ..
أخي .. أخي .. آآه من هذا الوحش الذي لا يمل من عراكي ..ولا يمل من التفاخر بطول قامته الغريب وهيئة جسمه العجيبة التي بدت عليه .. وهذا الوجه المليء بالبثور .. حتى هو لم ينج منها .. وصوته .. هو ليس صوتا كبقية الأصوات .. إنه أشبه بصوت فرامل السيارات عندما تقف بشكل مفاجئ .. وضحكته عندما يضحكها يخيّل إلي بأن دراكولا خرج من كتب الأساطير وزارنا في بيتنا ، ضحكته مرعبة فعلا .
وأكثر ما يؤلمني هو فرض رجولته علي .. يتلذذ دائما بقول .. " أنا رجل وأنت بنت ".
يُسمح له بأشياء ممنوعة أنا عنها.. فأنا مثلا لابد و أن ألتزم بمواعيد العودة إلى المنزل أينما كنت خارجه .. أما هو فله مطلق الحرية في العودة ساعة يشاء . سألت أمي مرة بهذا الشأن .. فأجابتني : " هناك قوانين وعادات يفرضها علينا المجتمع لابد لنا من الالتزام بها .. و أنتِ من عائلة محترمة ومن غير اللائق تواجدك خارج البيت حتى ساعة متأخرة من المساء " .
بقيت أفكر كثيرا تلك الليلة بكلماتها و حقيقة لم أقتنع برأيها .. أنا من عائلة محترمة .. و أخي هو أخي .. إذن هو أيضا من عائلة محترمة .. ألا يعني هذا بأن ما يجري علي من قوانين لابد وأن تجري عليه أيضا ؟؟ .. أو أن ما يحق للرجل لا يحق للمرأة ؟؟ .
أو أنها إحدى الإجابات عن سؤال أرّق مخدع أحلام أولى سنوات العمر .. و متاهة من موانع باغتتني و ضِعت في منحنياتها و شعابها .. و قيود ألجمتني و أسرتني بحرفين فقط !! ..
تُرى .. هل هي تلك الــ كِخْ بمرادفات أخرى ؟؟ .. ربما ..

في أحد الأيام كنت أمر من أمام حجرته فرأيته يقف عند النافذة وقد ارتسمت على محياه ابتسامة عريضة .. استغربت طريقة وقوفه .. فذهبت مسرعة إلى غرفة والداي لأستكشف ما ينظر إليه .. فوجدته يتحدث مع صديقه الواقف على رصيف الشارع بصوت عالي ويضحك ضحكته المرعبة .. هو لا يعرف بأن ضحكته وحدها تجعل النمل يختبئ في جحوره من شدة الفزع.
يفخر هو ببرعم رجولته .. فيما أنا أخجل من البثور المتناثرة على جبهتي .. رُحماك يا الله ..

دعونا من الحديث عن أخي .. ولأحدثكم عن الليل ..
يجذبني سكون المساء و غموضه.
كثيرا ما أجلس وحدي في حجرتي لأستمع لبعض الموسيقى الهادئة و أفتح ستار نافذتي لأسمح للقمر بزيارتي .. و أبقى معه ساهرة أرسم في مخيلتي رسما لفتاة أتمنى أن أكونها عندما أكبر .
أخبرتني عمتي أن هذه الحالة .. اسمها " أحلام يقظة " .كل خوفي أن أستسلم لهذه الأحلام حتى أصل إلى مرحلة لا أكاد معها أن أفرق بين الواقع و الخيال.." ها ها ها .. يا لغرابتي " .

عمتي هذه الإنسانة التي دائما ما تحاول التقرب مني أكثر من أي وقت مضى .. وعبثا ما كانت تحاول .. ليس لسبب سلبي .. بل لأنها في الأساس قريبة مني.
أعتبرها شقيقة وصديقة لي .. نتسامر كثيرا وندردش كثيرا و نضحك عاليا عندما تكون إحدانا برفقة الأخرى . هي مستودعا لأسراري و صداقتها ملجئي .
أمي عندما تراني شاردة الذهن قليلا أو أمكث مطولا في غرفتي تسألني فيما إذا كنت أواجه مشكلة معينة أو أشكو من أي عارض صحي .. تقلق كثيرا و لا أجد لقلقها مبررا و يبدو في غير محله ..
" يا ماما .. ليس عندي ما أخفيه .. كل ما هناك هو شعوري بأني يرقة تختبئ داخل شرنقتها بكل هدوء و خجل حتى تصحو ذات يوم و قد غدت فراشة ملونة تسحر الألباب " .
قد تطول الليالي و تطول معها رحلة عقارب الساعة حتى تنجلي ظلمة هذا المساء قبل أن تشرق شمس عمر جديد .. سأنتظره بفارغ الصبر .

أمسياتي هذه التي أحدثكم عنها يطول فيها سهري حتى ساعة متأخرة من الليل أقضيها بقراءة رواية رومانسية أو مشاهدة فيلم أجنبي ، وكثيرا ما يكون عاطفيا أو من أفلام الرعب .
صديقاتي يعلقن على ذوقي الذي يناقض بعضه بشأن نوعية الأفلام التي أشاهدها بقولهن : " قمة التناقض بين الرعب وبين الحب .. كيف باستطاعتك الجمع بينهما في مزاج واحد ؟؟ ".
ليس بالضرورة أن ما أشاهده لابد وأن يطابق بعضه بعضا أو أن يسير وفق منوال واحد لا يتغير .. ثم في ذروة الشعور بالرعب تكمن العاطفة والحنان .. ففي أي مشهد مرعب لابد وأن تكون هناك الأم التي تحتضن طفلها لتحميه .. أو رجلا يدافع عن امرأة ويحيطها برعايته و قد يفديها بروحه .. و مع كل قطرة دم تنزف يولد قلبا جديدا ينبض بالحب .. إن الحب والرعب يكملان بعضهما بعضا .. بشكل أو بآخر .

حسنا .. لقد فرغت من ترتيب خزانتي وثيابي و نعست كثيرا..حان وقت نومي الآن..
أستميحكم عذرا لقصر حديثي في هذه المرحلة فكما أخبرتكم سلفا لا أحب الحديث عنها فهي في نظري مرحلة مقتطعة من عمري .
لكن سأطلعكم على شيء أعرفه جيدا وأعيه جيدا جدا ..
ما أمر به الآن ما هو إلا مرحلة انتقالية من عالم الطفولة إلى عالم أكثر نضج وتوازن .. لكني تعبت من حساسيتي الزائدة وخجلي وبكائي السريع من أبسط موقف أمر به .
يا إلهي .. متى سأنتهي من كل هذا ؟؟.
كم أود لو أغمض عيناي وأفتحهما فأراني أكثر جمالا وأكثر مرحا .. ويتأكد أخي بأني كبرت ويكف عن مضايقتي.
وأيضا أتمنى أن تختفي هذه البثور عن وجهي .. وأن ينتهي هذا التورم في أنفي .


هل أدركتم الآن في أي مرحلة عمرية أنا ؟؟ .
" نعم .. صحيح .. أنا الآن مراهقة أبلغ من العمر خمسة عشر عاما .. مراهقة تتمنى أن تمضي الأيام سريعة لتكبر ..
.. تصبحون على خير .. أو صباح الخير ؟؟ .. لايهم " .



" بالمناسبة .. متى سأكبر ؟؟ "


******************************


يُتبع ..

* حقوق الأغنية محفوظة للفنان اللبناني الراحل زكي ناصيف
 

الجمعة، 20 مايو 2011

متى سأكبر ؟؟ - قصة قصيرة ( الحلقة السابعة )







* طيري يا عصفورة .. أنا متلك حلوة صغيورة
الجزء الثاني





حال عودتنا من المدرسة أعدو مسرعة إلى غرفتي لأقوم بحل واجباتي و استذكار دروسي .. فيما ينصرف أخي إلى اللعب و متابعة التلفاز .

سأخبركم بسر صغير .. ذات يوم عدت من المدرسة وأنا حزينة وسعيدة في ذات الوقت ..

حزينة لأن معلمتي قبضت علي بالجرم المشهود .. شاهدتني وأنا أدُسّ رأسي في درج منضدتي و ألتهم قالب الشوكولاته الذي اشتريته من المقصف .. فانتشلته مني وهي غاضبة وتتوعد وتهدد بأن تقلص من درجاتي الفصلية ..كم شعرت بالكره نحوها في تلك اللحظة .
لم تدم كراهيتي لها غير سويعات من الزمن .. ففي نهاية اليوم الدراسي  رأيتها تنزلق وتقع في أحد الممرات أثناء سيرها.. كم ضحكت عليها.. وكم أحسست بعدها بتأنيب الضمير. " يا لي من فتاة شريرة " ..
حسنا أنا لا أكره معلماتي فجميعهن طيبات ولطيفات ويلصقن على جبيني النجوم والصور عندما أدرس باجتهاد .

بعد استذكار دروسي جيدا والانتهاء منها أخرج إلى الحديقة لألعب وأتأرجح قليلا ..
أحب الأرجوحة .. فمعها أشعر بأني عصفورة تطير و تغرد فوق السحاب.
" عصفورة .. عصفورة " .. ولحقت بها لأمسكها قبل أن تطير ..
أعشق تربية الحيوانات .. هوايتي وميولي و جُل اهتماماتي .. رغم أن محاولاتي لاقتناء بعضها كثيرا ما تبوء بالفشل.
في عصر أحد الأيام كنت ألعب بجانب الشجرة فرأيت نملة صغيرة تمشي وحدها .. فأمسكت بها سريعا ووضعتها داخل صندوق صغير و أغلقته عليها و قفلت عائدة إلى داخل البيت لأحضر بعض السكر.
عدت إلى نملتي .. بحثت عنها كثيرا ولم أعثر عليها .. هربت أكيد و ضاعت وسط زحام العشب.

ذات يوم أهداني أبي هرة صغيرة.. كانت هدية جميلة جدا انتظرتها بلهفة طفلة ترقب يوم عيد مولدها .
كل يوم يمر .. تكبر فيه قطتي وتكبر معها محبتي لها وللحيوانات جميعا .. حتى أنه وفي فترة من الفترات امتلأت حديقة بيتنا بالقطط .. حتى فاق عددهم خمسة وعشرين قطا .. ومعظمهم من الشارع.
لا يهم .. الأهم هو المتعة التي أشعرها وأنا أدللهم وألاعبهم و أطعمهم .
في يوم قريب .. سمعت أمي تقول لصديقتها " اثنان يصدقان في محبتهما للإنسان منا لا يخدعان ولا ينافقان .. ولن يكذبا .. الطفل  و الحيوان.. كلاهما يشعران بمن يحبهما بصدق وسيبادلانه الحب بحب وصدق و وفاء بلا مصالح و لا غاية ، حب نقي خالي من الشوائب " .
ستبقى كلماتها تلك معي إلى أبد الدهر .

أحيانا أشارك أخي اللعب بالكرة .. و رغما عني ..
أخي ؟؟ .. لا .. بل الوحش الكاسر .. فدائما نتشاجر ..
في إحدى المرات و فيما كنت منهمكة بالتلوين جاء هذا الوحش ودون سابق إنذار ضربني على رأسي و فر هاربا .. لحقت به راكضة وشعري يتطاير في كل اتجاه وأنا أقذف بأقلام التلوين على ظهره الضئيل .. فدلف مسرعا إلى غرفته وأغلق الباب .. دقائق معدودة وأدرت أكره الباب ففتحته .. مددت رأسي نحو الداخل بكل توجس وحذر فرأيته يقف في ركن الغرفة رابطا حول خصره حبلا متآكلا محاولة منه لتقليد أبطال الكاراتيه .. ويلف حول عينيه عصابة سوداء وعيناه الصغيرتان تظهران من خلف فتحات ممزقه بطريقة مضحكة فبدا شكله كسلاحف النينجا ..
 "مهلا مهلا .. لقد رأيت قطعة القماش السوداء هذه من قبل .. آها .. لقد تذكرت .. كنت أفرشها كسجادة لبيت الدمى الخاص بي وافتقدتها منذ أسبوع .. إذا أنت من استولى عليها .. حسنا سترى ما أنا فاعلة "..
كان ما يزال واقفا في ذلك الركن متحفزا لبدء جولة مصارعة عنيفة معي .. فما كان مني إلا أن تقدمت بخطى واثقة وملامح الثبات ترتسم على وجهي رغم أن قلبي كان يرجف .. ويتملكني إحساسا عارما بالفزع والخوف من حدوث أي حركة مباغتة منه  فأخرج من غرفته وأنا منهكة القوى و الكدمات والجروح تملآن وجهي، وفاقدة لبضع أزرار من ثوبي  وأنتعل بإحدى رجلي حذائي والآخر أكون قد أضعته في مكان ما في تلك الغرفة المرعبة ..
تقدمت قليلا نحو تلك القلعة أو الشيء الأشبه بالقلعة .. الذي صنعه من علب البيبسي الفارغة .. وبطرف إصبعي ضغطت على إحداها فانهارت جميعها وتساوت مع الأرض .
خرجت مسرعة من غرفته وهو منبطح هناك ويصيح  بمليء فيه :" لااااا" في حالة انهيار عصبي مؤقت.. عاد بعدها للانتقام مني .
كثيرا ما أشعر بالملل من الدمى التي أملكها فأذهب إلى حجرة عمتي لألعب معها قليلا.
كنت أحيانا أجدها منهمكة بالكتابة فتناولني ورقة و قلما لأرسم لها شيئا .. أي شيء يخطر على بالي في ساعتها ولو كان مجرد خربشات .
فتأخذها و تلصقها على الحائط  تصاحبها قبلة على خدي تقول لي : " أحلى رسمة في الدنيا " .
و لا أعلم حقيقة إن كانت فعلا خربشاتي أحلى رسمة أم تشجيعها لي أحلى مزحة ..
كنت يوما أشاهد حلقة من مسلسل الرسوم المتحركة الذي أتابعه يوميا وهمست في أذنها : " عندما أكبر سأتزوجه " .. قصدت بطل القصة . فأجلستني ملاصقة لها و قالت لي : " يا حبيبتي هذا فيلم كرتون .. يقومون برسمه وتلوينه كما ترسمين أنتِ رسوماتك الجميلة .. هو ليس حقيقيا ولا هو إنسانا مثلنا " .
استصعب علي فهم ما قالته .. بل صُدمت حقا بهذه الحقيقة التي أبدا لم انتظر سماعها ..
" فيلم كرتون ؟؟ .. رسم بالقلم والألوان ؟؟ .. هو ليس فارس أحلامي ؟؟ .. ليس إنسانا مثلنا ؟؟ .. مجرد رسم ؟؟ " .
وكانت الضربة القاضية لعاطفتي و مشاعري المولودة حديثا نحو هذا الرسم المتحرك .. كانت صفعة على وجه التلفاز .. وأول صدمة في حياتي .

في المساء وقبل النوم لابد لي أنا وأخي من بعض جولات المصارعة الحرة.. سلاحي فيها الوسائد وسلاحه العضلات .. هي ليست عضلات بمعنى عضلات تلك التي يملكها ضخام الأجساد .. لا يا أصدقائي .. بل هي بروز عظمي لزندين يشكوان ضآلته ..
أقذفه بوسادة فيلوي ذراعي .. أقذفه بأخرى فتصيب رأسه أو بطنه .. ويصيبني بسيل من اللكمات .
وفي مرة أصاب عيني فصرخت باكية من الألم . جاء أبي لاستطلاع الأمر، فوبخنا و هددنا بحرماننا من نزهة آخر الأسبوع .. وفعلا تم الحرمان .

أفكر كثيرا في هذا النوع من السياسة المتبعة لمعاقبتنا .. سياسة الحرمان .
" تُرى .. هل ستستمر على مدى السنوات القادمة و نُحرم من أشيائنا المفضلة ؟؟ .. أم هي سياسة مؤقتة حتى يتم تقويمنا بشكل إيجابي وصحيح  لتمر طفولتنا على خير وسلام ؟؟ " ..
لا أعرف !! ..
كل ما أعرفه الآن بأني عندما أكبر سأكون قوية كفاية لأقدر على لكم أخي و تعليمه درسا لن ينساه .

" متى سأكبر ؟؟ " .


*************************************
يُتبع ..

حقوق الأغنية محفوظة للمطربة اللبنانية ماجدة الرومي*

الجمعة، 13 مايو 2011

متى سأكبر ؟؟ - قصة قصيرة ( الحلقة السادسة )


هل أنتم هنا ؟؟ .. أهلا أهلا .. حسنا انتظروني قليلا .. عندي مهمة صعبة جدا لابد و أن انتهي منها .. لحظة من فضلكم ، سأعود حالا ".









*طيري يا عصفورة .. أنا متلك حلوة صغيورة
الجزء الأول


ها قد عدت إليكم من جديد .. أعتذر عن الوقت المستقطع بسبب انشغالي بالانتقام من الوحش الكاسر الذي قام باقتلاع يد دميتي الصغيرة .. فكانت تجب علي معاقبته .. امممم .. رحت لأنتقم .. فعدت بخفي حنين و بعض الخدوش .. لا يهم .
تتساءلون كيف أنا اليوم .. صحيح ؟؟ !! ..

عمري الآن سبع سنوات .. وأنا في الصف الأول الابتدائي .. لقد كبرت قليلا وطالت قامتي .. وطبعا لم أعد أملك بضع شعيرات فقد طال شعري وأصبحت أتفنن في رفعه وتسريحه وتجديله بمساعدة أمي .. لدي غرفة نوم جميلة وألعاب كثيرة ودمى رائعة أمارس عليها أمومتي الطفولية .
في المدرسة لدي الكثير من الصديقات .. فأنا محبوبة وطالبة مجتهدة .. لكن خجولة بعض الشيء و عنيدة جدا ..

أحب كثيرا قصص الأميرات و مشاهدة الرسوم المتحركة التي تحكي حكاياتهم .. فأنا أملك الكثير منها .
فساتين، أحذية .. حقائب وإكسسوارات تخص البنات في مثل عمري .
أحب أن أتزين مثلهم لأبدو كأميرة من خيال.
حتى أطباقي و كؤوسي التي أشرب بها الماء والحليب والعصير عليها رسومات من وحي الرسوم المتحركة .
ذات يوم كنت في المطبخ أريد أن أسكب لنفسي بعض الطعام في طبق صغير عليه رسومات سندريلا .. فوقع الطبق وتناثر الطعام على أرضية المطبخ .. فركضت مسرعة نحو جدتي لتحميني من توبيخ أمي .. نعم جدتي .. لا تزال تمسح على جبيني وتقبّل رأسي .. ولا أعرف ما هو السر الذي يشدها نحو رأسي هذا لتقبله .. أحيانا أتخيل بأنها تنوي نزع بضع شعيرات من رأسي لتلصقها في رأسها لأن شعرها أبيض .. وكثيرا ما كنت أتأملها فأراها تتنهد بعمق وتتمتم ببضع كلمات لا أعرف مقصدها .. ولا أعرف لم تقولها أساسا .. تقول " ليتني أعود طفلة " .. فأسألها لِم تقولين ذلك ؟؟ .. فتجيبني : " عندما تكبرين وتصبحين في عمري ستعرفين " ..
يا الله .. حتى معرفة هذا السر سيتطلب مني أن أعيش عمرين فوق عمري لأكشفه .

في بعض الأحيان تفتقدني أمي فتبحث عني في أرجاء البيت .. وأخيرا تجدني في غرفتها أرتدي حذاءها ذي الكعب العالي وعلى وجهي أصباغ حمراء وخضراء .. فتجرني من يدي و تُقحم وجهي البريء تحت صنبور المياه وتشطف عنه ألوان قوس قزح وتقول لي : " لازلت صغيرة ..غدا عندما تكبرين قليلا سوف أشتري لك أدوات زينة حقيقية لتتزيني بها "..
عندما أكبر .. عندما أكبر .. يا إلهي متى سأكبر وأحقق جميع أحلامي وأنجز كل مشاريعي المؤجلة إلى غدٍ آخر ..
حسنا لا داعي للامتعاض .. فكثيرا ما ألجأ إلى عمتي التي تسمح لي باستخدام أحمر الشفاه كما عودتني منذ كنت صغيرة أحبو.

في الصباح الباكر أستيقظ بلا إثارة للمتاعب، فأغسل وجهي و أتناول إفطاري، و مع كل وجبة إفطار أثرثر كثيرا و أحكي كثيرا فينقضي الوقت سريعا جدا فيما لا يزال أخي يرتدي ملابسه على مهل. وأحيانا أكون أنا المشاغبة و بسببي نتأخر عن موعد المدرسة.
صعبة المراس أنا أثناء تسريح شعري .. في بعض الأحيان أطلب من أمي جديلة واحدة فقط، و أحيانا جديلتين، و كثيرا ما أحبذه متطايرا بلا ترتيب .." أنا الآن في عمر إثبات الذات و تكوين الشخصية .. و لهذا أنا آمر و أنهي و أفرض رأيي على الجميع " .

أثناء مشوارنا الصباحي نحو المدرسة يصادفنا ذلك البيت .. في زاوية شارع هادئ .. ونرى صبيا صغيرا قد يكبرني في العمر ببضع سنوات يقف مع شقيقته على الرصيف في انتظار الباص .
في إحدى المرات أوقف أبي السيارة بجانب الرصيف و هتف على الصبي مناديا، فاستجاب للنداء.
أخذ أبي يتحدث معه قليلا و سأله عن اسمه و اسم شقيقته و مدرسته و عمره .. الخ ..
فيما كنت أنا أموت خجلا.
قد تكون هذه التجربة من أول المواقف التي تواجهني مع الجنس الآخر.. و أول ارتباك في حياتي.
في اليوم التالي .. كنت اجلس في المقعد الخلفي فيما كان أخي بجانب والدي في المقعد الأمامي للسيارة .. عندما مررنا من جانب البيت.. مرورا سريعا و على عجل لم أتمكن خلاله من رؤية هذا الصبي ولا حتى شقيقته .. لماذا ؟؟ ..
كنت قد اختبأت عنه وحشرت نفسي بين المقعد الأمامي والخلفي حتى لا أراه ولا يراني ..و لماذا ؟؟ ..
لأنها المرة الأولى التي استشعرت فيها حياء الأنثى داخلي.
أعادني هذا الموقف لعام مضى .. كنت في الصف التمهيدي .. عندما قام زميلي بطلب يدي للزواج.
لم أقبل ولم أرفض .. فقط التزمت الصمت .



********************


يُتبع ..

*حقوق الأغنية محفوظة للفنانة ماجدة الرومي

الجمعة، 6 مايو 2011

متى سأكبر ؟؟ - قصة قصيرة ( الحلقة الخامسة )




*تاتا .. حبة حبة
الجزء الثالث




بعد بلوغي العام والنصف من عمري المديد .. صارت حصيلتي اللغوية وفيرة نوعا ما .. رغم عدم قدرتي على النطق بشكل جيد إلا أنه صار باستطاعتي التعبير عن ما أريده بكلمات قصيرة تفي بالغرض .

ذات يوم وأثناء تجوالي في حديقة المنزل برفقة أخي ( الوحش الكاسر ) و مجموعة من أصدقائه الصغار لمحت طائرا يقف على غصن شجرة صغيرة بالقرب مني . لم أعرف ما هو بالضبط لكن هيئته تختلف كثيرا عن الطائر الذي يغرد بجوار نافذتي كل صباح.. أقتربت منه قليلا لأستطلع أمره ثم سرعان ما رفرف بجناحيه و حلق عاليا عندما جاء أخي وصرخ صرخته المعتادة فيهرب منه الجميع .. حتى أنا .
 " أفّووول " .. حسبته عصفور .
كانت أمي تجلس على الأرجوحة عندما نادت على من حلق عاليا وقالت " تعالي يا فراشة .. تعالي " .
" آآآته " .. عرفتها فراشة ..
جاءتني لتحملني معها وتجلسني على الأرجوحة  ثم راحت تغني " نملة صغيرة حلوة كتير .. دوما دوما على بكير .. بتفيق تجمع أكل كتير .. حنطة و برغل عدس شعير .. أما الصرصار يا ستار .. عم يغني ليل نهار .. بكرة في فصل الأمطار .. يبقى من كسله محتار .. إما يروح لعند الجار .. أو يموت و ياكله الفار .. هَممم " ..
لا أملك أمام هذه الأغنية سوى أن أصفق بيدي الاثنتين وأحلق عاليا مع أرجوحتي .. كتلك الفراشة البعيدة التي ترسم بأجنحتها لوحة زاهية الألوان ويركض خلفها أخي مع أصدقائه فتأبى أن يمسكوا بها .
" تُرى .. ما هو السر في ركضهم خلف من ترفضهم ؟؟ .. " .. هو سؤال آخر من الأسئلة التي تركت إجابتها للأيام .

بمناسبة الركض .. منذ بضعة أيام اشترت لي أمي صندلا صيفيا، أو قد يكون خُفا خفيفا أقرب ما يكون للجورب، لا يمكنني الجزم بهويته، ولكن أجمل ما فيه كان هذا الصوت الصادر عنه عندما أمشي أو أركض .. فعندما تدوس قدمي على الأرض يُصدر حذائي صوتا أشبه ما يكون بزمور السيارة .
صار لركضي معنى آخر و له موسيقى جميلة أعزف سيمفونياتها مع كل خطوة . لا يهم الإزعاج الذي أسببه للمحيطين بي لأن ما يعنيني حقا هو افتعال الإزعاج في حد ذاته .
و لكن مشكلتي التي أواجهها عندما أرتدي هذا الزمور هو كشفه لدائرة وجودي .
بمعنى أنه بات يكشف لأهلي خط سيري و منطقة عبوري ويفضح صمتي المباغت. فعندما يصلهم صوت هذا الزمور يدركون أن كل شيء يسير على ما يرام .. بينما عندما يخفت صوته يعرفون بأني بَعُدت عن مجال رؤيتهم .. و عندما يسكت فجأة يتأكدون بأني عثرت على شيء ما و هو في الطريق إلى مغارة فمي .
أدركت الآن فقط بأن لكل اختراع ايجابيات وسلبيات. و هذا من الدروس الأولى التي تعلمتها الآن .

بالأمس رافقت أبي و أمي و أخي إلى محل الألعاب.
لاحظت بأن لأخي مطلق الحرية في اختيار ألعابه، فقد امتلأت عربة التسوق بالكثير من السيارات الملونة والمختلفة الأحجام ، و من الكرات أشكالا و ألوان. أما أنا فلم يُفسح لي المجال لأختار.
كنت أجلس في مقدمة العربة مأخوذة بتأمل هذه الأرفف الشاهقة الارتفاع و ما تحويه من الألعاب المتنوعة بينما كانت العربة تمتلئ بألعاب أخي واحدة تلو أخرى .. أما أنا فقد اختارت لي أمي مكعبات بلاستيكية الصنع و كبيرة الحجم عندما سألها أخي : " إنها كبيرة جدا لماذا ؟؟ " .. فأجابته أمي : " حتى لا تبلعها ".
" حتى لا أبلعها ؟؟ " .. صار بلعي للفتافيت والخيوط وبعض النمل هاجسا لهم جميعا .. العجيب في الموضوع إما أن يكونوا هم .. أو أكون أنا العجب العُجاب.
هنا يكمن سؤالا آخر .." لماذا له حرية الاختيار، و أنا علي فُرض الخَيار ؟؟ .. هل بسبب صِغر سني ؟؟ .. أتمنى .." ..

في ذلك المساء  وقبل أن تحين ساعة نومنا أنا وأخي كنت أجول في أنحاء البيت عندما كانت جدتي تجلس على مقعدها و تشاهد ما يسمى ( تلفاز ) .. مشيت قليلا نحوه .. ثم وقفت .
صرت أتأمل هؤلاء الأشخاص الملونين خلف الحاجز الزجاجي .. وضعت يدي عليهم ولم ألمسهم .. لم أستطع .. شيئا ما دفعني أكثر نحوه ورحت أضرب عليه بشدة علّه يُفتح و يخرج منه هذا الكم من البشر أمثالنا .
" كيف تمكنوا من الدخول إلى هناك فيما أنا هنا أقف عاجزة عن التواجد معهم ؟؟ " .. سألت نفسي هذا السؤال مرارا وتكرارا في كل مرة أشاهد رسما متحركا أو ألوانا تشع من خلاله .
مددت رأسي قليلا لأرى ما هو كائن خلف هذا الجهاز .. مشيت خطوة .. خطوتين حتى وقفت خلفه تماما .. صوبت عيناي باتجاه تلك الحفر الصغيرة فقد يكون بإمكاني لمح أحدهم بشكل أو بآخر .. استقبلتني رائحة الكهرباء و إضاءات  خافتة  ووميض غريب لا أعرف مصدره . أثناء محاولة استكشافي للموضوع شعرت بيد أحدهم تنتشلني من مكاني وكالعادة تسبقها كلمة ( كِخ ) ..


" جدتي يا جدتي .. لا تخافي علي إلى هذا الحد .. أنا الآن في مرحلة الاستكشاف و التعرف .. دعيني أكشف هذه الألغاز التي تحيط بي و أضع حدا لكثرتها .. كل ما أردت معرفته هو كيف ادخل في هذا الجهاز .. فقط لا غير .. ثم لابد لي من التحلي ببعض الجرأة .. لا أعلم ما سيواجهني من مواقف في مستقبلي القادم .. أريد التدرب على مواجهة الصعب من الآن .. أو سأقضي بقية عمري خائفة !! .." .
أجلستني في حِجرها وراحت تقبلني وتمسح على شعري كعادتها التي باتت تحيرني فعلا .

جاء وقت النوم الآن ..
وضعتني أمي على السرير حتى تنتهي من تحضير أخي للنوم ..
وكعادتهما كل مساء، عراك وجدال بسبب غسل الأسنان و شرب الحليب و وجوب النوم المبكر للاستيقاظ باكرا واللحاق بالمدرسة .. وأنا في سريري الصغير ألعب بدميتي و في رأسي ألف سؤال .

" لماذا ألعب بدمية ذات شعر متطاير و مكعبات بلاستيكية بينما أخي يلعب بسيارة ؟؟ .. و لماذا يجب علي شرب الحليب قبل النوم ؟؟ .. ولماذا جدتي تمسح على شعري في كل مرة أكون معها ؟؟ .. والأهم .. ما معنى كلمة ( كِخ ) .. ؟؟ " .

غدا سأكبر و ستنجلي كل الأسرار ..
" متى سأكبر ؟؟ " .




****************************

يُتبع ..

* حقوق الأغنية محفوظة للفنانة المصرية الراحلة فاطمة النبوية الشهيرة بــ أحلام